فلم يحسن إلى الناس ولا عمل للعقبى :﴿وكذب﴾ أي أوقع التكذيب أن يستحق التصديق ﴿بالحسنى *﴾ أي فأنكرها، ولما كان جامداً مع المحسوسات كالبهائم قال :﴿فسنيسره﴾ أي نهيئه بما لنا من العظمة وعد لا خلف فيه ﴿للعسرى *﴾ أي للخصلة التي هي اعسر الأشياء وأنكدها، وهي العمل بما يغضبه سبحانه الموجب لدخول النار وما أدى إليه، وأشار بنون العظمة في كل من نجد الخير ونجد الشر إلى أن ارتكاب الإنسان لكل منهما في غاية البعد، أما نجد الخير فلما حفه من المكاره، وأام نجد الشر فلما في العقل والفطرة الأولى من الزواجر عنه، وذلك كله أمر قد فرغ منه في الأزل بتعيين أهل السعادة وأهل الشقاوة "وكما قال ﷺ - ميسر لما خلق له ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٥
ولما كان أهل الدنيا إذا وقعوا في ورطة تخلصوا منها بأموالهم قال :﴿وما يغني﴾ أي في تلك الحالة ﴿عنه﴾ أي هذا الذي بخل وكذب ﴿ماله﴾ أي الذي بخل به رجاء نفعه، ويجوز أن يكون استفهاماً إنكارياً فيكون نافياً للإغناء على أبلغ وجه ﴿إذا تردّى *﴾ أي هلك بالسقوط في حفرة القبر والنار، تفعّل من الردى وهو الهلاك والسقوط في بئر.
ولما كان ربما قال المتعنت الجاهل بما له سبحانه وتعالى من العظمة التي لا اعتراض لأحد عليها : ما له لا ييسر الكل للحسنى، استأنف جوابه مبيناً من ألزم به نفسه من المصالح تفضلاً منه بما له من اللطف والكرم وما يفعله مما هو له من غير نظل إلى ذلك بما له من الجبروت والكبر، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه يحب العلم بأنه لا حق لأحد عليه أصلاً :﴿إن علينا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿للهدى *﴾ أي البيان للطريق الحق وإقامة الأدلة الواضحة على ذلك.
ولما بين ما ألزمه نفسه المقدس فصار كأنه عليه لتحتم وقوعه فكان ربما أوهم أنه
٤٤٨