ولما كان قد تقدم غير مرة تخصيص كل من المحسن والمسيء بداره بطريق الحصر إنكاراً لأن يسوى محسن بمسيء في شيء، وكان الحصر بـ " لا " و" إلا " أصرح أنواعه قال :﴿لا يصلاها﴾ أي يقاسي حرها وشدتها على طريق اللزوم والانغماس ﴿إلا الأشقى *﴾ أي الذي هو في الذروة من الشقاوة وهو الكافر، فإن الفاسق وإن دخلها لا يكون ذلك له على طريق اللزوم، ولذلك وصفه بقوله تعالى :﴿الذي كذب﴾ أي أفسد قوته العلمية بأن أعرض عن الحق تكبراً وعناداً فلم يؤت ماله لزكاة نفسه ﴿وسيجنبها﴾ أي النار الموصوفة بوعد لا خلف فيه عن قرب - بما أفهمته السين من التأكيد مع التنفيس، وتجنيبه له في غاية السهولة - بما أفهمه البناء للمفعول ﴿الأتقى *﴾ أي الذي أسس قوته العلمية أمكن تأسيس، فكان في الذروة من رتبة التقوى وهو الذي اتقى الشرك والمعاصي، وهو يفهم أن من لم يكن في الذروة لا يكون كذلك، فإن الفاسق يدخلها ثم يخرج منها، ولا ينافي الحصر السابق.
٤٤٩
ولما ذكر ما يتعلق بالقوة العلمية، أتبعه ما ينظر إلى القوة العملية فقال :﴿الذي يؤتي ماله﴾ أي يصرفه في مصارف الخير، ولذلك بينه بقوله تعالى :﴿يتزكّى *﴾ أي يتطهر من الأوضار والأدناس بتطهيره لنفسه وتنميتها بذلك الإيتاء بالبعد عن مساوئ الأخلاق ولزوم محاسنها لأنه ما كذب وما تولى، والآية من الاحتباك : ذكر التكذيب أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، وإيتاء المال ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً.
ولما كان الإنسان قد يعطي ليزكي نفسه بدفع مانّه ومكافأة نعمه قال :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿لأحد عنده﴾ وأعرق في النفي فقال :﴿من نعمة تجزى *﴾ أي هي مما يحق جزاؤه لأجلها.