الضحى إسناداً ومعنى، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله، لكن شغله ﷺ بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك، فلما ختمت السورة تفرغ له، فكان ذلك الوقت كأنه ابتدأ مفاجأ ذلك الأمر العظيم له، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها، وأما من ظنه لأول الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن
٤٥٨
ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم، والتدريب على الحفظ في المبادئ والتحبيب فيه والتهييم، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم.
٤٥٩
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٥٦


الصفحة التالية
Icon