ولما علم من هذا أن المواد تكون بحسب الأوراد الشداد لما على الممدود من الشكر، ولما علم للشاكر من الوعد بالمزيد، قال مسبباً عما أعطاه من اليسر بعد ذلك العسر ندباً له إلى الشكر وإعلاماً بأنه لا ينفك عن تحمل أمر في الله :﴿فإذا فرغت﴾ أي بما آتاك من اليسر يسر من جهادك الذي أنت فيه في وقت المخاطبة بهذا الكلام ما يوجب عسراً في المآل أو الحال، وعقبه العسر في أي موضع كان لا سيما عند دخول الناس في الدين أفواجاً، أو من العبادة الثقيلة العظيمة بسماع الوحي وتحمله، أو من الغرض بالتيسير الذي بشرناك به ﴿فانصب *﴾ أي بالغ في التعب بعبادة أخرى من التسبيح والاستغفار، أو النفل لمن أولاد هذا المعروف ﴿وإلى ربك﴾ أي المحسن اليك
٤٦٦
بما ذكر في هاتين السورتين خاصة ﴿فارغب *﴾ أي بالسؤال لأنه القادر وحده كما قدر على تربيتك فيما مضى وحده، لأنه المختص بالعظمة، فلا قدرة أصلاً إلا لمن يعطيه ما يريده منها، والرغب شعار العبد دائماً في كل حال أي افعل ذلك ﴿ألم نشرح لك صدرك ؟﴾ فقد اتصل هذا الآخر بالأول اتصال المعلول بالعلة، ولاءم ما بعدها بذلك أيضاً بعينه ملاءمة الشمس بالأهلة، وآخر هذه السورة مشيرة إلى الاجتهاد في العبادة عند الفراغ من جهاد الكفار في جزيرة العرب بعد انقضاء ما يوازي عدد آي هذه السورة من السنين بعد الهجرة، وهي ثمان، رغبة في الأخرى التي هي خير من الأولى، إشارة إلى قرب الأجل بما أشارت إليه سورة النصر - كما سأتي إن شاء الله تعالى.
٤٦٧
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦٠


الصفحة التالية
Icon