يقدم على مثله عاقل، فصار يعبد من دون الله ما هو دون البشر بل ومطلق الحيوان مما لا ضر فيه ولا نفع، وصار يركب الظلم والعدوان والإفك والبهتان، وما لا يحصبى بالعد من أنواع الفواحش والعصيان، ويظلم أبناء حنسه وغيرهم، ويجتهد في الفجور، ويتصرف بما لا يشك هو في أنه لا يقره عليه من له أدنى نظر ممن يلزمه أمره ويعنيه شأنه، فصار بذلك أحط رتبة من البهائم بل من أدنى الحشرات المستقذرات لأنها وإن كانت لها شهوات إلا أنها ليس لها عقل تغطيه بها وتطمس نوره بظلامها، فلا تنسب إلى أنها فوّتت شيئاً لعدم تكليفها لعدم العقل الموجب للشرف، وأما هو فاستعمل ما خلقناه له من الآلات، وما فضلناه به من الكمالات، في غير ما خلقناه له فاستحق العذاب المهين، ثم يموت من غير مجازاة على شيء من ذلك أو على كثير منه، فلا بد في الحكمة حينئذ من بعثه، وله بعد البعث عند ربه على ذلك عذاب مقيم، وأما في خلقه فبالهرم حتى صار بعد تلك القوى ضعيفاً، وبعد ذلك العز ذليلاً مهيناً، وبعد ذلك العلم الغزير والفكر المنير لا يعلم شيئاً، وصار يستقذره وينكره من كان يألفه ويستعطره، وقال ابن برجان : أما رده في طريق الديانة فبالكفر والتكذيب، وأما فيما سبيله الجزاء فبالمسخ في دار البرزخ وتحويل صورته إلى ما غلب عليه خلقته وعمله في الدنيا من الدواب والهوام والبهائم، وفي الآخرة تزرق عيناه ويشوه خلقه، وقال الإمام أبو العباس الأقليشي في شرح " المقدم المؤخر " من شرحه للاسماء الحسنى : إن الله تعالى خلقه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٧٠
أي الإنسان - أولاً في أحسن تقويم، ثم ركبه في هذا لاجسم الذي يجذبه إلى أسفل سافلين، فإن قدم عقله على هواه صعد إلى أعلى عليين، وكان من المقربين المقدمين، وإن قدم هواه هبط إلى إدراك الجحيم، وكان من المبعدين المؤخرين.


الصفحة التالية
Icon