الاستعاذة بالأمر بالقرآن لما أفهمه قوله سبحانه وتعالى :﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ - أي الشياطين الإنس والجن ﴿حجاباً مستوراً﴾ [الإسراء : ٤٥] وقوله تعالى :﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ [النحل : ٩٨].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٧٨
ولما خصه تشريفاً بإضافة هذا الوصف الشريف إليه، وصفه على جهة العموم بالخلق والأمر إعلاماً بأن له التدبير والتأثير، وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين، فهو أعلق بالفهم، وأقرب إلى التصور، وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة، فكانت البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور لأن أول الواجبات معرفة الله، وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح فقال :﴿الذي خلق *﴾ وحذف مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقدير الآن وفيما مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقديره الآن وفيما كان وفيما يكون، فكل شيء يدخل في الوجود فهو من صنعه ومتردد بين إذنه ومنعه
٤٧٩
وضره ونفعه.
ولما كان الحيوان أكمل المخلوقات، وكان الإنسان أكمل الحيوان وزبدة مخضه، ولباب حقيقته وسر محضه، وأدل على تمام القدرة لكونه جامعاً لجميع ما في الأكوان، فكان خلقه أبدع من خلق غيره، فكان لذلك أدل على كمال الصانع وعلى وجوب إفراده بالعبادة، خصه فقال :﴿خلق الإنسان﴾ أي هذا الجنس الذي من شأنه الأنس بنفسه وما رأى ما أخلاقه وحسه، وما ألفه من أبناء جنسه.