تقدم ذلك من موجب نفي الاسترابة في نوع الحق إذا اعتبر ونظر، ووقعت في الترتيب سورة العلق مشيرة إلى ما به يقع الشفاء، ومنه يعلم الابتداء والانتهاء، وهو كتابه المبين، الذي جعله الله تعالى تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمحسنين، فأمر بقراءته ليتدبروا آياته فقال ﴿اقرأ باسم ربك﴾ مستعنياً به فسوف يتضح سبيلك وينتهج دليلك ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً﴾ [الفرقان : ١] وأيضاً فإنه تعالى أعلم عباده بخلقه الإنسان في أحسن تقويم ﴿ثم رددناه أسفل سافلين﴾ [التين : ٥] وحصل منه على ما قدم بيانه افتراق الطرفين وتباين القائلين، كل ذلك بسابق حكمته وإرادته ﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها﴾ وقد بين سبحانه لنا أقصى غاية ينالها أكرم خلقه وأجل عباده لديه من الصنف الإنساني، وذلك فيما أوضحت السورتان قبل من حال نبينا المصطفى ﷺ وجليل وعده الكريم له في قوله ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ [الضحى : ٥] وفضل حال ابتداء ﴿ألم نشرح﴾ على تقدم سؤال ﴿رب اشرح﴾ [طه : ٢٥] إلى ما أشارت إليه آي السورتين من خصائصه الجليلة، وذلك أعلى مقام يناله أحد ممن ذكر، فوقع تعقيب - ذلك بسورة تضمنت الإشارة إلى حال من جعل في الظرف الآخر من الجنس الإنساني، وذلك حال من أشير إليه من لدن قوله تعالى :﴿أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى﴾ إلى قوله :﴿كلا لا تطعه﴾ ليظهر تفاوت المنزلتين وتباين ما بين الحالتين، وهي العادة المطردة في الكتب، ولم يقع صريح التعريف هنا كما وقع في الظرف الآخرة ليطابق المقصود، ولعل بعض من لم يتفطن بعترض هنا بأن هذه السورة من أول ما أنزل فكيف يستقيم مرادك من ادعاء ترتيبها على ما تأخر عنها نزولاً، فنقول له : وأين غاب اعتراضك في عدة سور مما تقدم بل في معظم ذلك، وإلا فليست سورة البقرة من المدني، ومقتضى تأليفنا هذا بناء ما بعدها من السور على الترتيب الحاصل في مصحف الجماعة إنما هو عليها وفيها بعد من