الباطن بالنور الناشئة عن الهدى، وعمارة الظاهرة لذلك، المترشحة من عمارة الباطن، الموجب لذلك، فأمر هذا المصلي بملازمة خدمة سيده المجمع على سيادته، ولا شك في توحيده بالربوبية بالإقبال على ما يرضيه من أفعال العبادة، ليكون ذلك وقاية لفاعل من سخطه فيأمن الهلاك، والجواب محذوف تقديره : ألم يكن خيراص له فليتدبر كل أمر من أموره فلا يقدم عليه حتى يعلم بالدليل أنه هدى وتقوى.
ولما كان التقدير حتماً كما هدى إليه السياق ما قدرته من جواب السؤالين، بنى عليه قوله زيادة في التوبيخ والتعجيب والتقريع استفهاماً عن حال لهذا الناهي مناف للحال الأول معيداً الفعل إيضاحاً لذلك :﴿أرءيت﴾ أي أخبرني أيها السامع ولا تستعجل ﴿إن كذب﴾ أي أوقع هذا الناهي التكذيب بأن المصلي على الهدى بخدمة سيده المتفق على سيادته، فكان بذلك مرتكباً للضلال الذي لا شك في كونه ضلالاً، ولا يدعو إليه إلا الهدى.
ولما كان المكذب قد لا يترك من كذبه، أشار إلى أن حال هذا على غير ذلك فقال :﴿وتولى *﴾ أي وكلف فطرته الأولى بعد معالجتها الإعراض عن قبول الأمر بالتقوى، وذلك التولي إخراب الباطن بالأخلاق السيئة الناشئة عن التكذيب وإخراب الظاهر بالأعمال القبيحة الناشئة عن التكذيب، والجواب محذوف تقديره : ألم يكن ذلك التولي والتكذيب شراً له لأن التكذيب والتولي من غير دليل شر محض، فكيف إذا كان الدليل قائماً على ضدهما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٨٤


الصفحة التالية
Icon