ولما ذكر ما يمكن أن يكون عليه حال الناهي من السداد، ذكر ما يمكن أن يكون عليه من الفساد، فقال مقرراً معجباً معيداً العامل لزيادة التعجيب على النمط الأول :" أرأيت إن كذب " أي هذا الناهي بالحق في وقت النهي - ولما كان لا يلزم من التكذيب التولي قال :" وتولى " أي عن الدين بنهيه هذا، فكان على الضلال والهوى متمكناً في ذلك بحيث إنه لا يصدر عنه فعل إلا فاسداً " ألم يعلم بأن الله يرى " فيحسب نفسه بما أرشد إليه سبحانه من البراهين فيعلم أن ما هو عليه من الرشد إن كان الله يقره عليه ويمكنه منه أو الغواية إن كان ينهاه عن ولا يقره عليه، كما فعل بهذا الذي أقسم : ليرضخن رأس هذا المصلي، وأقدم عليه بصخرته وهو عند نفسه في غاية القدرة على ذلك بزعمه فمنعه الله منه ورده عن فرجع على عقبيه خاسئاً ظاهراً عليه الجبن والرعب وغيرها مما يتحاماه الرجال، ويأنف منه الضارغمة الأبطال، والاحتباك هنا بطلب " أرءيت " جملة ليس هو من التنازع لأنه يستدعي إضماراً والجملة لا تضمر، إنما هو من باب الحذف لدليل، فحذف الكون على الضلال ثانياً لدلالة الكون على الهدى عليه أولاً، وحذف " ألم يعلم بأن الله يرى " أولاً لدلالة ذكره آخراً عليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٨٤
ولما كان هذا الخبيث معرضاً عن هذا العلم الذي هو معترف به كله، وإنما كان إعراضه لما عنده من الحظوظ والشهوات الموقعة له - بحكم الرد أسفل سافلين - إلى رتبة البهائم، أتى بأعظم أدواث الردع فقال :﴿كلا﴾ أي ليس عنده علم بشيء من ذلك لسفول رتبته عن رتبة البهائم ولا في يده شيء من الأشياء، فهو لا يقدر على شيء مما رامه من الأذى، فليرتدع عن تعاطي ذلك لأنه لا يضر إلا نفسه.