وهي للعارفين، قال الملوي ما معناه : إن الإنسان إذا استشعر عقاباً يأتيه أو خسراً، لحقته حالة يقال لها الخوف وهي انخلاع القلب عن طمأنينة الأمن وقلقه واضطرابه لتوقع مكروه، فإن اشتد سمي وجلاً لجولانه في نفسه، فإذا اشتد سمي رهباً لأدائه إلى الهرب، وهي حالة المؤمنين الفارين إلى الله ومن غلب عليه الحب لاستغراق في شهود الجماليات لحقته حالة تسمى مهابة إذ لا ينفك عن خوف إبعاد أو صد لغفلة أو ذلة، ومن غلب عليه التعظيم لاستغراق في شهود الجلاليات صار في الإجلال، ووراء هذا الخشية ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ [فاطر : ٢٨] فمن خاف ربه هذا الخوف انفك من جميع ما عنده مما لا يليق بجنابه سبحانه، ولم يقدح في البينة ولا توقف فيها وما فارق الخوف قلباً إلا خرب، فكان جديراً بأن يقدح في كل ما أدى إلى العمارة، وقد رجع آخر السورة على أولها بذلك، وبتصنيف الناس صنفي، ك صنف انفك عن هوى نفسه فأنجاها، وصنف استمر في أسرها فأرداها، وقد ذكرت في " مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور " سر تخصيص النبي ﷺ لأبيّ رضي الله عنه بقراءة هذه السورة عليه بخصوصها، وحاصله أن سبب تخصيصه بذلك أنه وجد اثنين من الصحابة رضي الله عنهم قد خالفاه في القراءة فرفعهما إلى النبي ﷺ فأرمهما فعرضها عليه فحسن لهما، قال : فسقط في نفسي من التكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فضرب ﷺ في صدري ففضت عرقاً، وكأنهما أنظر إلى الله فرقاً، ثم قص لعيّ خبر التخفيف بالسبعة الأحرف، وكانت السورة التي وقع فيها الخلاف النحل وفيها أن الله يبعث رسوله ﷺ يوم البعث شهيداً، وأنه نزل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وأنه نزل عليه روح القدس بالحق ليثبت الذين آمنوا، وأن اليهود اختلفوا في السبت، وسورة ﴿لم يكن﴾ على قصرها حاوية إجمالاً لكل ما في النحل على طولها بزيادة، وفيها التحذير من الشك بعد


الصفحة التالية
Icon