ولما كان الميت قبل البعث جماداً، عبر عنه بأداة ما لا يعقل فقال :﴿ما في القبور *﴾ أي أخرج ما فيها من الموتى الذين تنكر العرب بعثهم فنشروا للحساب، أو من عظامهم ولحومهم وأعصابهم وجلودهم وجميع أجسامهم، وقلب بعضه على بعض حتى أعيد كل شيء منه على ما كان عليه، ثم أيعدت إليه الروح، فكان كل أحد على ما مات عليه.
٥١١
ولما كان المخوف إنما هو ما يتأثر عن البعث من الجزاء على الأعمال الفاسدة قال :﴿وحصل﴾ أي أخرج وميز وجمع فعرف أنه معلوم كله بغاية السهولة كما أشار البناء للمفعول ﴿ما في الصدور *﴾ أي من خير أو شر مما يظن مضمره أنه لا يعلمه أحد أصلاً، وظهر مكتوباً في صحائف الأعمال، وهذا يدل على أن النيات يحاسب بها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها.
ولما كان علم ما في الصدور أمراً باهراً للعقل، قال جامعاً نظراً إلى المعنى لما عبر عنه بالإفراد بالنظر إلى اللفظ، لأن العلم بالكل يلازمه العلم بالبعض بخلاف العكس مؤكداً إشارة إلى أنه مما لا يكاد يصدق، معللاً للجملة المحذوفة الدالة على الحاسب :﴿إن ربهم﴾ أي المحسن إليهم بخلقهم وزرقهم وتربيتهم وجعلهم أقوياء سويين ﴿بهم﴾ قدم هذا الجار والمجرور لا للاختصاص، بل للاشارة إلى نهاية الخبر.