ولما كانت الموزونات كثيرة الأنواع جداً، جمع الميزان باعتبارها فقال :﴿موازينه *﴾ أي مقادير أنواع حسناته باتباع الحق لأنه ثقيل في الدنيا واجتناب الباطل، والموزون الأعمال أنفسها تجسداً وصحائفها ﴿فهو﴾ بسبب رجحان حسناته ﴿في عيشة﴾ أي حياة تتقلب فيها، ولعله ألحقها الهاء الدالة على الوحد - والمراد العيش - ليفهم أنها على حالة واحدة - في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا ﴿راضية *﴾ أي ذات رضى أو مرضية لأن أمه - جنة عالية ﴿وأما من خفت﴾
٥١٤
أي طاشت ﴿موازينه *﴾ أي بأن غلبت سيئاته أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا ﴿فأمه﴾ أي التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض : أم - لأنها تقصد لذلك، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأم، وكذا المسكن، وهو يفهم أنه مخلوق منها غلب عليه طبع الشيطان لكون العنصر الناري أكثر أجزائه، وعظمها بالتنكير والتعبير بالوصف المعلم بأنه لا قرار لها فقال :﴿هاوية *﴾ أي نار نازلة سافلة جداً فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلاً وهو في عيشة ساخطة، فالآية من الاحتباك، ذكر العيشة أولاً دليلاً على حذفها ثانياً، وذكر الأم دليلاً على حذفها أولاً.
ولما كانت مما يفوت الوصف بعظيم أهوالها وشديد زلزالها، جمع الامر فيها فقال منكراً أن يكون مخلوق يعرف وصفها :﴿وما أدراك﴾ أي وأيّ شيء أعلمك إن اشتد تكلفك ﴿ما هيه *﴾ أي الهاوية لأنه لم يعهد أحد مثلها ليقيسها عليه، وهاء السكت إشارة إلى إن ذكرها مما يكرب القلب حتى لا يقدر على الاسترسال في الكلام أو إلى - أنها مما ينبغي للسامع أن يقرع بهذا الاستفهام عنها سمعه فيسكت لسماع الجواب وفهمه غاية السكوت ويصغي غاية الإصغاء.
ولما هوّلها بما ذكر، أتبعها ما يمكن البشر معرفته من وصفها فقال ﴿نار حامية *﴾ أي قد انتهى حرها، هذا ما تتعارفونه بينكم، وأما التفاصيل فأمر لا يعلمه إلا الله تعالى وهذا نهاية القارعة، فتلاؤم الأول للآخر واضح جداً وظاهر - والله أعلم.
٥١٥
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٣