ولما كان هذا أمراً صادعاً، أشار إلى أنه يكفي هذه الأمة المرحومة التأكيد بمرة، فقال مردداً للأمر بين تأكيد الردع ثالثاً بالأداة الصالحة له ولأن تكون لمعنى - حقاً كما يقوله ائمة القراءة :﴿كلا﴾ أي - ليشتد ارتداعهم عن التكاثر فإنه أساس كل بلاء فإنكم ﴿لو تعلمون﴾ أيها المتكاثرون.
ولما كان العلم قد يطلق على الظن رفع مجازه بقوله :﴿علم اليقين *﴾ أي لو يقع لكم علم على - وجه اليقين مرة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم، فلم يلهكم التكاثر ولضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون - فحذف هذا الجواب بعد حذف المفعول للتخفيم فهو إشارة إلى أنه لا يقين غيره، والمعنى أن أعمالكم أعمال من لا يتيقنه، قال الرازي : واليقين مركب الأخذ في هذا الطريق، وهو غاية درجات العامة، وأول خطوة الخاصة، قال عليه الصلاة والسلام :"خير ما ألقي في القلب اليقين" وعلم قبول ما ظهر من الحق وقبول ما
٥١٨
غاب للحق والوقوف على ما قام بالحق، والآية من الاحتباك : ذكر الإلهاء أولاً وحذف سببه وهو الجهل لدلالة الثاني عليه، وذكر ثانياً العلم الذي هو الثمرة وحذف ما يتسبب عنه من عدم اللهو الذي هو ضد الأول، وزاد في التفخيم لهذا الوعيد بإيضاح المتوعد به بعد إبهامه مع قسم دل عليه بلامه، فقال :﴿لترون﴾ أي بالمكاشفة وعزتنا، ولا يصح أن يكون هذا جواباً لما قبله لأنه محقق ﴿الجحيم *﴾ أي النار التي تلقى المعذبين بها بكراهة وتغيظ وعتو وشديد توقد، فالمؤمن يراها وينجو منها سواء خالطها لا والكافر يخلد فيها.


الصفحة التالية
Icon