أهل العدوان، وهم الأغلب في كل زمان، قال تعالى :﴿وتواصوا﴾ لأن الإنسان ينشط بالوعظ وينفعه اللحظ واللفظ ﴿بالصبر﴾ أي الناشئ عن زكاة النفس على العمل بطاعة الله من إحقاق الحق وإبطال الباطل والنفي له والمحق وعلى ما يحصل بسبب ذلك من الأذى باجتناب الشرور إلى الممات الذي هو سبب موصل إلى دار السلام، فكانوا مكملين للقوة العملية حافظين لما قبلها من العلمية، وذلك هو حكمة العبادات فإن حكمة الشيء هي الغاية والفائدة المقصودة منه، وهي هنا أمران : خارج عن العامل وهو الجنة، وداخل قائم به وهو النور المقرب من الحق سبحانه وتعالى، واختير التعبير بالوصية إشارة إلى الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستعمال اللين بغاية الجهد، والصبر هو خلاصة الإنسان وسره وصفاوته وزبدته وعصارته، الذي لا يوصل إليه إلا بضغط الإنسان لنفسه وقسرها على أفعال الطاعة وقهرها على لزوم السنة والجماعة حتى يصير الصبر لها بالتدريب عادة وصناعة، فقد عانق آخرها أولها، وواصل مفصلها موصلها، وهي أربع عشرة كلمة تشير إلى أن في اسنة الرابعة عشر من النبوة يكون الإذن في الجهاد الذي هو رأس الأمر بالمعروف بالفعل لإظهار الحق وهي سنة الهجرة التي تم فيه بدره، وعم نوره وقدره، وجم عزهونصره، فإذا ضممت إليها أربع كلمات البسملة كانت موازية في العدد لسنة خمس من الهجرة، وكان فيها غزوة بدر الموعد وغزوة الأحزاب، وقد وقع فيهما أتم الصبر من النبي ﷺ ثم ممن وافقه نم الصحابة رضي الله تعالى عنهم لإظهار الحق والصواب، فإنهم في بدر خذلوا من ركب عبد القيس أو من نعيم بن مسعود وموافقة المنافقين وخوفوا حتى كاد يعمهم الرعب والفشل، فقال النبي ﷺ "والله لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد" وأنزل الله فيها ﴿الذي قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا﴾ [آل عمران : ١٧٣] الآيات، وفي الأحزاب زاغت الأبصار وبلغت القلوب
الحناجر وأسفرت عاقبة الصبر فيها عما قال النبي ﷺ عند ذهابهم :"الآن نغزوهم ولا يغزوننا" فإذا ضممت إليها الضمائر الأربعة أشارت إلى سنة تسع، وقد كانت فيها غزوة تبوك وهي غزوة العسرة لما كان فيها من الشدة التي أسفرت عاقبة الصبر فيها من إقبال الوفود، بفخامة العز والجدود وتواتر السعود، بلطف الرحيم الودود، وبذلك كان نور الوجود، وتواتر الفضل والجود، وتواتر الفضل والجود من الإله المعبود - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه خيار الوجود.
٥٢٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٢


الصفحة التالية
Icon