واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه، وهذا كله هو عين النقص، الذي هو شأن الإنسان، وهو المذكور في السورة قبل، فقال تعالى ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾ فافتتحت السورة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده، والهمزة العياب الطعان واللمزة مثله، ثم ذكر تعالى ماله ومستقرة بقوله :﴿لينبذن في الحطمة﴾ أي ليطرحن في النار جزاء له على غتراره وطعنه - انتهى.
ولما كان الذي يفعل النقيصة من غير حاجة تحوجه إليها أقبح حالاً وكان المتمول عندهم هو الرابح، وهم يتفاخرون بالربح ويعدون الفائز به من ذوي المعالي، قال مقيداً لـ " كل " بالوصف مبيناً لاخاسر كل الخسارة :﴿الذي جمع﴾ ولما كان مطلق الجمع يدل على الكثرة جاء التشديد في فعله لأبي جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي، وخلت تصريحاً بما علم تلويحاً ودلالة على أن المقصود به من جعل الدنيا أكبر همه، والتخفيف لمن عداهم اكتفاء بأصل مدلوله بخلاف عدد، فإن مجرده يكون لما قل، ولهذا أجمعوا على التضعيف فيه :﴿مالاً﴾ أي عظيماً، وأكد مراد الكثرة بقوله :﴿وعدده﴾ أي جعله بحيث إذا أريد عدده طال الزمان فيه وكثر التعداد، أو ادخره وأمسكه إعداداً لما ينوبه في هذه الدنيا المنقضية، وزاده قيداً آخر في بيان حاله فقال :﴿يحسب﴾ لقلة عقله ﴿أن ماله﴾ أي ذلك الذي عدده ﴿أخلده *﴾ أي أوصله إلى رتبة الخلد في الدنيا، فأحب ذلك المال كما يحب الخلود، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن أنه عمل - بانهماكه في المعاصي والإعراض عن الله عز وجل والإقبال على التوسع في الشهوات والأعراض الزائلات - عمل من يظن أنه لا يموت، ويجوز أن يكون استئنافاً، وفيه تعريض بأنه لا يفيد الخلد إلا الأعمال الصالحة المسعدة في الدار الآخرة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٥