ولما وصف الهامز الهازم، وصف الحاطم فقال تعالى :﴿التي﴾ ولما كان لا يطلع على أحوال الشيء إلا من قبله علماً قال :﴿تطلع﴾ اطلاعاً شديداً ﴿على الأفئدة *﴾ جمع فؤاد وهو القلب الذي يكاد يحترق من شدة ذكائه، فكان ينبغي ان يجعل ذكاءه في أسباب الخلاص، واطلاعها عليه بأن تعلو وسطه وتشتمل عليه اشتمالاً بالغاً، بأدنى شيء من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة ومعدن حب المال الذي هو منشأ الفساد والضلال، وعنه تصدر الأفعال القبيحة.
ولما كان الاطلاع على الفؤاد مظنة الموت، وفي الموت راحة من العذاب، أشار إلى خلودهم فيها وأنهم لا يموتون ولا ينقطع عنهم العذاب، فقال مؤكداً لأنهم يكذبون بها :﴿إنها﴾ وأشار إلى قهرهم وغلبتهم فقال :﴿عليهم﴾ وآذن بسهولة التصرف في تذيبهم وانقطاع الرجاء من خلاصهم بقوله معبراً باسم المفعول :﴿مؤصدة *﴾ أي مطبقة بغاية الضيق، من أوصدت الباب - إذا أطبقته.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٥
ولما كانت عادتهم في المنع من التصرف أن يضعوا خشبة عظيمة تسمى المقطرة فيها حلق توثق فيها الرجل، فلا يقدر صاحبها بعد ذلك على حراك، قال مصوراً لعذابهم بحال من ضمير " عليهم " :﴿في﴾ أي حال كونهم موثقين في ﴿عمد﴾ بفتحتين وبضمتين جمع عمود ﴿ممددة *﴾ أي معترضة كأناه موضوعه على الأرض، فهي في غاية المكنة فلا يستطيع الموثق بها على نوع حيلة في أمرها فهو تأكيد ليأسهم من الخروج بالإيثاق بعد الإيصاد، وهذا أعظم الويل وأشد النكال، فقد رجع آخرها إلى أولها، وكان لمفصلها أشد التحام بموصلها - والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
٥٢٧
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٥