ولما كان التقدير : فمنعهم من الدخول إلى حرم إبراهيم عليه الصلاة والسلام فضلاً عن الوصول إلى بلده الرسول ﷺ، عطف عليه أو على " يجعل " معبراً بالماضي لأنه بمعناه وهو أصرح والعبير به أقعد قوله ؛ ﴿وأرسل﴾ وبين أنه إرسال إلى تحقيرهم وتخسيسهم عن أن يعذبهم بشيء عظيم لكونهم عظموا أنفسهم وتجبروا على خالقهم بالقصد القبيح لبيته فقال تعالى معلماً بأنه سلط عليهم ما لا يقتل مثله في العادة :﴿طيراً﴾ وهو اسم جمع يذكر على اللفظ، ويؤنث على المعنى، وقد يقع على الواحد، ولذلك قال مبيناً الكثرة ﴿أبابيل *﴾ أي جماعات كثيرة جداً متفرقة يتبع بعضها بعضاً من نواحي شتى فوجاً فوجاً وزمرة زمرة، أمام كل فرقة منها طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، قال أبو عبيدة : يقال : جاءت الخيل أبابيل من هاهنا وهاهنا، وهو جمع إبالة بالكسر والتشديد وهي الحزمة الكبيرة - شبهت بها الجماعة من الطير في تضامّها، وفي أمثالها : ضغث على إبالة، أي بلية على أخرى.
ولما تشوف السامع إلى فعل الطير بهم، قال مستأنفاً :﴿ترميهم﴾ أي الطير ﴿بحجارة﴾ أي عظيمة في الكثرة والفعل، صغيرة في المقدار والحجم، كان كل واحد - منها في نحو مقدار العدسة، في منقار كل طائر منها واحد وفي كل رجل واحد.
٥٣١
ولما كان الشيء إذا كان مصنوعاً للعذاب كان أشد فعلاً فيه قال :﴿من سجيل *﴾ أي طين متحجر مصنوع للعذاب في موضع هو في غاية العلو كما بين في سورة هود عليه الصلاة والسلام، قال حمزة الكرماني : قال أبو صالح : رأيت تلك الحجارة مخططة بالحمرة.