ولما علل بالإيلاف وكان لازماً ومتعدياً، تقول : آلفت المكان أولفه إيلافاً فأنا مؤلف وآلفت فلاناً هذا شيئاً أي جعلته آلفاً له، وكان الإتيان بالشيء محتملاً لشيئين ثم إبدال أحدهما منه أضخم لشأنه وأعلى لأمره، أبدل منه قوله :﴿إلافهم﴾ أي إيلافنا إياهم ﴿رحلة الشتاء *﴾ التي يرحلونها إلى الشام في زمنه لأنها بلاد باردة ينالون فيها منافع الشمال، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المكرم المعظم ببيت الله والناس يتخطفون من حولهم، ففعل الله تعالى بأصحاب الفيل ما فعل ليزداد العرب لهم هيبة وتعظيماً فتزيد في إكرامهم لما رأت من إكرام الله تعالى لهم فيكون لهم غاية التمكن في رحلتهم، والرحلة بالكسر هيئة الرحيل، وقرئ بالضم وهي الجهة التي يرحل إليها، وكانوا معذورين لذلك لأن بلدهم لا زرع به ولا ضرع، فكانوا إذا ضربوا في الأرض قالوا : نحن سكان حرم الله وولاة بيته، فلا يعرض أحد بسوء، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وأول من سن لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكان يقسم ربحهم بين الغني والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم، وفي ذلك يقول الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٣٣
قل للذي طلب السماحة والندى هلا مررت بآل عبد مناف الرائشين وليس يوجد رائش والقائلين هلم للإضياف والخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكاف
٥٣٥
القائلين بكل وعد صادق والراحلين برحلة الإيلاف عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف سفرين سنّهما له ولقومه سفر الشتاء ورحلة الأصياف


الصفحة التالية
Icon