ولما ذكر السبب في إقامة الظاهر، ذكر السبب في إقامة العيش بنعمة الباطن فقال :﴿وآمنهم﴾ أي تخصصاً لهم ﴿من خوف *﴾ أي شديد جداً من أصحاب الفيل ومما ينال من حولهم من التخطف بالقتل والنهب والغارات وبالأمن من الجذام بدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن الطاعون والدجال بتأمين النبي ﷺ، وعن ذلك تسبب الاتحاف بما خصهم به من الإيلاف، فعلم أن آخرها علة لأولها، ويجوز أن يكون إلفهم للبلد وقع أولاً فحماه الله لهم مما ذكر، فيكون ذلك مسبباً عن الإلف فيكون أولها علة لآخرها، فقد التقى الطرفان، والتأم البحران المغترفان، وكما التقى آخر كل سورة مع أولها فكذلك التقى آخر القرآن العظيم بأوله بالنسبة إلى تسع سور هذه أولها إذا عددت من الآخر إليها، فإن حاصلها المن على قريش بالإعانة على المتجر إيلافاً لهم بالرحلة فيه والضرب في الأرض بسببه واختصاصهم بالأمر بعبادة الذي منّ عليهم بالبيت الحرام وجلب لهم به الأرزاق والأمان، ومن أعظم مقاصد التوبة - المناظرة لهذه بكونها التاسعة من الأول - البراءة من كل مارق، وأن فعل ذلك يكون سبباً للألفة بعد ما ظن أنه سبب الفرقة، وذكر مناقب البيت ومن يصلح لخدمته، والفوز بأمانه ونعمته، والبشارة بالغنى على وجه أعظم من تحصيله بالمتجر وأبهى وأبهر، وأوفى وأوفر، وأزهى وأزهر، وأجل وأفخر، بقوله تعالى :﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم﴾ الآيات، [التوبة : ١٧] وقوله تعالى :﴿وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله﴾ [التوبة : ٢٨] فعلم بهذا علماً جلياً أنه شرع سبحانه في رد المقطع على المطلع من سورة قريش الذين أكرمهم الله بإنزال القرآن بلسانهم وأرسل به النبي ﷺ إليهم كما أكرمهم ببناء البيت في شأنهم، وتعظيمه لغناهم وأمانهم، ومن أعظم المناسبات في ذلك كون أول السورة التي أخذ فيها في رد المقطع على الواحدة فإن براءة مع الأنفال كذلك حتى قال


الصفحة التالية
Icon