فدل ذلك على أنهم بلغوا نهاية التكذيب باستهانتهم بأعظم دعائم الدين واستعظامهم لأدنى أمور الدنيا، وهذا الآخر كما ترى هو الأول لأن الذي جر إليه هو التكذيب، ومن منع هذه الأشياء التافهه كان جديراً بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر، وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق، والانجذاب مع النقائص إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة، فكان ذلك موجباً للميل إلى أعظم الويل، وفي ذلك أعظم مرغب في معالي الأخلاق التي هي أضداد ما ذكر في السورة وكلا الأمرين موجود في الأنفال المناظرة لها في رد المقطع على المطلع على أتم وجه، ليكون ذلك إشارة إلى أنها شارحة لهذا ففيه الإيماء إلى ملاحظتها عند قراءتها، انظر إلى قوله تعالى :﴿الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً﴾ [الأنفال : ٤] الآية ﴿وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك﴾ [الأنفال : ٣٥] ﴿والذين كفروا إلى جهنم يحشرون﴾ [الأنفال : ٣٦] الآية ﴿فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ [الأنفال : ٤١] الآية ولقد انطبقت السورة بمعانيها وتراكيبها العظيمة ونظومها ومبانيها على الأراذل الأدنياء الأسافل، وأحاطت برؤوسهم
٥٤٥