ولما كان انتقام الولي من العدو إنما هو لله سبحانه وتعالى، لاحظ فيه، فكان موجباً لعدم اكتفاء الله به في حق الولي، فكان التقدير : فإنهم ليس لهم عصمة ولا حرمة في الدنيا ولا قوة وإن لاح في أمرهم خلاف ذلك، عطف عليه قوله :﴿ومأواهم﴾ أي في الآخرة ﴿جهنم﴾ أي الدركة النارية التي تلقى داخلها بالعبوسة والكراهة.
ولما كان التقدير : إليها مصيرهم لا محالة، عليه قوله :﴿وبئس المصير *﴾ أي هي، فذلك جزاء الله لهم عن الإساءة إلى أوليائه والانتقاص لأحبائه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٣
ولما كان أمر الاستئصال في الإنجاء والإهلاك أشبه شيء بحال أهل الآخرة في الدينونة بالعدل والفضل، وكان المفتتح به السورة عتاب النساء، ثم أتبع بالأمر بالتأديب لجميع الأمة إلى أن ختم بهلاك المخالف في الدارين، وكان للكفار قرابات بالمسلمينت وكانوا يظنون أنها ربما تنفعهم، وللمسلمين قرابات بالكفار وكانوا ربما توهموا أنها تضرهم، قال مجيباً لما يتخيل من ذلك تأديباً لمن ينكر عليه ﷺ من النساء وغيرهن :﴿ضرب الله﴾ أي الملك الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿مثلاً﴾ يعلم به من فيه قابلية العلم ويتعظ به من له أهلية الاتعاظ ﴿للذين كفروا﴾ أي غطوا الحق على أنفسهم وعلى غيرهم سواء كانوا مشاققين أو منافقين في عدم انتفاعهم مع كفرهم بما بينهم وبين المؤمنين من الوصل والعلائق فيغلظ عليهم في الدارين معاملة بما يستحقون من غير محاباة لأحد وإن جل مقامه، وعلا منصبه ومرامه، لأن الكفر قاطع للعلائق بين الكافر والمسلم :﴿امرأت نوح﴾ الذي أهلك الله من كذبه بالغرق ونصره وآواه عليه الصلاة والسلام وكان اسمها فيهما يقال واعلة ﴿وامرأت لوط﴾ الذي أهلك الله أيضاً من كذبه بالحصب والخسف والإغراق، واسمها فيما قيل واهلة، ودل على وجه الشبه بقوله :﴿كانتا﴾ أي مع كونهما كافرتين.


الصفحة التالية
Icon