ولما كان في معبوداتهم ما لا يعقل، وكان المقصود تحقير كل ما عبدوه سوى الله، عبر بـ " ما " فقال :﴿ما تعبدون *﴾ أي الآن وفي آتي الزمان من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادة في سر ولا علن لأنه لا يصلح للعبادة بوجه.
ولما بدأ بما هو الأحق بالبداءة وهو البراءة من الشرك، والطهارة من وضر الإفك، لأنه لمن درء المفاسد، فأبلغ في ذلك بما هو الحقيق بحاله ﷺ، وكانوا هم يعبدون الله تعالى على وجه الإشراك، وكانت العبادة مع الشرك غير معتد بها بوجه، نفى عبادتهم له في الجملة الاسمية الدالة على الثبات لا في الفعلية الدالة على نفي كل قليل
٥٥٥
وكثير من حيث إن الفعل نكرة في سياق النفي فقال :﴿ولا أنتم عابدون﴾ أي عبادة معتداً بها بحيث يكون أهلاً لأن تكون وصفاً ثابتاً.
ولما كانوا لانوزاع لهم في أن معبوده عالم، وكانت " ما " صالحة للإطلاق عليه سبحانه وتعالى، عبر فيه أيضاً بها لأن ذلك - مع أنه لا ضرر فيه - أقرب إلى الإنصاف، فهو أدعى إلى عدم المراء أو الخلاف - فقال :﴿ما أعبد *﴾ أي الآين وما بعده لأن معبودي - وله العلم التام والقدرة الشاملة - أبعدكم عنه فلا مطمع في الوفاق بيننا.