وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كمل دينه واتضحت شريعته واستقر أمره ﷺ وأدى أمانة رسالته حق أدائها عرف عليه صلى الله عليه الصلاة والسلام نفاد عمره وانقضاء أجله، وجعلت له على ذلك علامة دخول الناس في دين الله جماعات بعد التوقف والتثبط ﴿حكمة بالغة فما تغني النذر﴾ [القمر : ٥] ﴿لو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾ [الأنعام : ٣٥] وأمر بالإكثار من الاستغفار المشروع في أعقاب المجالس وفي أطراف النهار وخواتم المآخذ مما عسى أن يتخلل من لغو أو فتور، فشرع سبحانه وتعالى الاستغفار ليحرز لعباده من حفظ أحوالهم ورعي أوقاتهم ما يفي بعليّ أجورهم كما وعدهم ﴿وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته﴾ [الأنعام : ١١٥] وقد بسطت ما أشارت إليه هذه السورة العظيمة - وكل كلام ربنا عظيم - فيما قيدته في غيره هذا، وأن أبا بكر رضي الله عنه عرف منها أن رسول الله ﷺ نعيت إليه نفسه الكريمة على ربه وعرف بدنو أجله، وقد أشار إلى هذا الغرض أيضاً بأبعد من الواقع في هذه السورة قوله تعالى :﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ [المائدة : ٣] وسورة براءة وأفعاله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع
٥٦٠
لكن لم يبلغنا استشعار أحد من الصحابة رضي الله عنهم تعيين الأمر إلا من هذه السورة.
وقد عرفت بإشارة براءة وآية المائدة تعريفاً شافياً، واستشعر الناس عام حجة الوداع وعند نزول براءة ذلك لكن لم يستيقنوه وغلبوا رجاءهم في حايته ﷺ، ومنهم من توفي، فلما نزلت ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ استيقن أبو بكر رضي الله عنه ذلك استيقاناً حمله على البكاء لما قرأها رسول الله ﷺ - انتهى.


الصفحة التالية
Icon