سورة المسد
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٦٦
لما قدم سبحانه وتعالى في سورة النصر القطع بتحقيق النصر لأهل هذا الدين بعد ما كانوا فيه من الذلة، والأمر الحتم بتكثيرهم بعد الذي مر عليهم مع الذلة من القلة، وختمها بأنه التواب، وكان أبو لهب - من ضدة العناد لهذا الدين والأذى لإمامة النبي ﷺ سيد العالمين مع قربه منه - بالمحل الذي لا يجهل، بل شاع واشتهر، وأحرق الأكباد وصهر، كان بحيث يسأل عن حاله إذ ذاك هل يثبت عليه أو يذلك، فشفى غلَّ هذا السؤال، وأزيل بما يكون له من النكال، وليكون ذلك بعد وقوع الفتح ونزول الظفر والنصر، والإظهار على الأعداء بالعز والقهر، مذكراً له ﷺ بما كان أول الأمر من جبروتهم وأذاهم وقوتهم بالعَد والعُدد، وأنه لم عنهم شيء من ذلك، بل صدق الله وعده في قوله سبحانه وتعالى ﴿قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جنهم وبئس المهاد﴾ [آل عمران : ١٢] وكذبوا فيما كانوا فيه من التعاضد والتناصر والتحالف والتعاقد، فذكر تعالى أعداهم له وأقربهم إليه في النسب إشارة إلى أنه لا فرق في تكذيبه لهم بين القريب والبعيد.
ولإى أنه لم ينفعه قربه له ليكون ذلك حاملاً لأهل الدين على
٥٦٧
الاجتهاد في العمل من غير ركون إلى سبب أو نسب غير ما شرعه سبحانه، فقال تعالى معبراً بالماضي دلالة على أن الأمر قد قضى بذلك وفرغ منه، فلا بد من كونه ولا محيص :﴿تبت﴾ أي حصل القطع الأعظم والحتم الأكمل، فإنها خابت وخسرت غاية الخسارة، وهي المؤدية إلى الهلاك لأنه لا نجاة إلا نجاة الآخرة، وجعل خطاب هذه السورة عن الله ولم يفتتحها بـ " قل " كأخواتها لأن هذا أكثر أدباً وأدخل في باب العذر وأولى في مراعاة ذوي الرحم، ولذلك لم يكرر ذكرها في القرآن، وأشد في انتصار الله سبحانه وتعالى له ﷺ وأقرب إلى التخويف وتجويف وتجويز سرعة الوقوع.


الصفحة التالية
Icon