ولما كان ربما خص التباب بالهلاك، وحمل على هلاك اليدين حقيقة، وكان الإنسان لا يزول جميع منفعته بفوات يديه وإن كان قد يعبر بهما عن النفس، قال مصرحاً بالمقصود :﴿وتب﴾ أي هو بجملته بتمام الهلاك والخسران، فحقق بهذا ما أريد من الإسناد إلى اليدين من الكناية عن الهلاك الذي لا بقاء بعده، والظاهر أن الأول دعاء والثاني خبر، وعرف بهذا أن الانتماء إلى الصالحين لا يغني إلا إن وقع الاقتداء بهم في أفعالهم لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم.
ومادة " تب " و" بتّ " - الجامعة بجمع التاء والباء للسببين الأدنى الباطني والأعلى الظاهري - تدور على القطع المؤدي في أغلب أحواله إلى الهلاك، لأن من انقطع إلى الأسباب معرضاً عن مسببها كان في أعظم تباب، وربما كان القطع باستجماع الأسباب، فحصل العوز بالمقاصد والمحابّ، قال ابن مكتوم في الجمع بين المحكم والعباب : التب والتباب : الخسار، وتباً له - على الدعاء، وتباً تبيباً - على المبالغة، قال الإمام أبو عبد الله القزاز : كأنك قلت : خسراناً له، وهو المصدر، نصب نصب سقياً له، قال ابن دريد : وكأن التب المصدر والتباب الاسم، والتبب والتباب والتبيب : الهلاك، والتتبيب النقص والخسار، وكل هذ واضح في القطع عن الخير والفوز، قال : والتابّ : الكبير من الرجال، والأنثى تابة، وقال القزاز : إذا سألت الرجل عن المرأة قلت : أشابة هي أن تابة، أي أم عجوز فانية، ومعلوم أن كبر السن مقرب من القطع والهلاك، والتاب : الضعيف، والجمع أتباب - هذلية، وحمار تاب الظهر - إذا دبر، وجمل تاب كذلك نادرة، ولا شك أن الدبر والضعيف هلاك في المعنى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٦٧