أراد النميمة، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين وشبهت النميمة بالحطب لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي ﷺ لتؤذيه، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها وتباشره ليلاً لتستخفي به لأنها كانت شريفة، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة فكان ذلك - أعظم فاضح لها، وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته وأن الخبر ﴿في جيدها﴾ أي عنقها وأجود ما فيها - هو حال على التقدير الأول ﴿حبل﴾ كالحاطبين تخسيساً لأمرها وتحقيراً لحالها ﴿من مسد﴾ أي ليف أو ليف المقل أو من شيء قد فتل وأحكم فتله، من قولهم : رجل ممسود الخلق، أي مجدوله - وقد رجع آخرها على أولها، فإن من كانت امرأته مصورة بصورة حطابة على ظهرها حزمة حطب معلق حبلها في جيدها فهو في غاية الحقارة، والتباب والخساسة والخسارة وحاصل هذه السورة أن أبا لهب قطع رحمه وجار عن قصد السبيل واجتهد بعد ضلاله في إضلال غيره، وظلم الناصح له الرؤوف به الذي لم يأل جهداً في نصحه على ما تراه من أنه لم يأل هو - جهداً في أذاه واعتمد على ماله وأكسابه فهلك وأهلك امرأته معه ومن تبعه من أولاده، ومن أعظم مقاصد سورة النساء المناظرة لها في رد المقطع على المطلع التواصل والتقارب والإحسان لا سيما لذوي الأرحام، والعدل في جميع الأقوال والأفعال، فكان شرح حال الناصح الذي لا ينطق عن الهوى، وحال الضال الذي إنما ينطق عن الهوى - قوله تعالى :﴿يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم﴾ [النساء : ٢٦] وختمها إشارة إلى التحذير من مثل حاله، فكأنه قيل : يبين الله لكم أن تضلوا فكونوا كأبي لهب في البوار، وصلي النار - كما تبين لكم، فكونوا على حذر من كل ما يشابه حاله وإن ظهر لكم خلاف ذلك، فأنا أعلم منكم، والله بكل شيء عليم " والحمد لله رب العالمين ".
٥٧٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٦٧


الصفحة التالية
Icon