صلى الله عليه وسلم ليكون إلى فهم عنه لتلك الصفات العلى أقرب لما لهم به من المجانسة :﴿قل﴾ أي يا أكرم الخلائق ومن لا يفهم عن مرسله حق الفهم سواه، وإطلاق الأمر بعدم التقييد بمقول له يفهم عموم الرسالة، وأن المراد كل من يمكن القول له سواء كان سائلاً عن ذلك بالفعل أو بالقوة حثاً على استحضار - ما لرب هذا الدين - الذي حاطه هذه الحياطة ورباه هذه التربية - من العظمة والجلال، والكبرياء والكمال، ففي الإطلاق المشير إلى التعميم رد على من أقر بإرساله ﷺ إلى العرب خاصة، ويدل على ان مقول القول لا ضرر فيه على أحد فإن ظواهره مفهومة لكل أحد لا فتنة فيها بوجه، وإنما تأتي الفتنة عند تعمق الضال إلى ما لا - يتحمله عقله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧٧
ولما كان أهم المقاصد الرد على المعطلة الذين هم ضرب ممن يقول ﴿نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر﴾ [الجاثية : ٢٤] أثبت وجوده سبحانه على أتم الوجوه وأعلاها وأوفاها وأجلاها بما معناه أن حقيقته ثابتة ثباتاً لا يتوجه نحوه شك بوجه من الوجوه، فقال مكاشفاً للأسرار - فإنه لا يمكن غيبته عنها أصلاً - وللوالهين :﴿هو﴾ فابتدأ بهذا الاسم الشريف الذي هو أبطن الأسماء إشارة إلى أنه واجب الوجود لذاته - وأن هويته ليست مستفادة من شيء سواها، فإن كل ما كانت هويته مستفادة من غيره أو موقوفة عليه فمتى لم يتعبر غيره فلم يكن هو هو، وما كانت هويته لذاته فهو هو سواء اعتبر غير أو لم يعتبر، فإذاً لا يستحق هذا الاسم غيره أصلاً على أن الهاء بمفردها مشيرة - بكونها من أبطن - الحلق إلى أنه هو الأول والباطن المبدع لما سواه، والواو - بكونها من أظهر حروف الشفة - إلى أنه الآخر والظاهر، وأن إليه المنتهى، وليس وراءه مرمى، وأنه المبدئ المعيد - كما يشير إلى ذلك تكرير الواو في اسمها، وإلا أنه محيط بكل شيء لما فيها من الإحاطة.


الصفحة التالية
Icon