الوحدة، يدل على محض الوحدة، ألا ترى أنه نافٍ يأتي معه، إذا قلت : لم يأتين أحد، انتفى الاثنان، ولا تقول : جاءني أحد كما تقول! جاءني واحد، لأن واحداً تزول عنه الواحدية بضم ثان إليه بخلاف الأحدية فإناه لازمة الواحد لا يفارقه حكمها بعد ضم الثاني بل لها منه جهة محفوظة عليها يظهر ذاك بالاشفاع والأوتار، فإنك تقول : ماجاءني أحد، فتنتفي الأشفاع كما تنتفي الأوتار، وهذا دليل على زيادة شرفه فإن الاسم كلما غمضت دلالته وتعذرت معرفته عن الأفهام وعزب عن العقول علمه كان ذلك دليلاً على قربه من الاسم الأعظم - انتهى، وقال بعض العارفين في كشف معنى الأحد ورتبته : إن الذات الأعظم غيب محض والأحد أول تعيناتها، ولذلك بدئ بالهمزة التي هي أول تعيناتها، والهمزة لكونها مرقى إلى غيب الألف كان أول اسمها أيضاً غير دال على مسماها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧٧
ثم بعد التعيين بالأحدية الشاملة المستغرقة يتنزل إلى الإلهية ثم منها إلى الواحدية، ولذلك ابتدئ الواحد بالواو التي هي وصلة إلى ما فيه من الألف الذي هو غيب، فإن الواحد مرقى إلى فهم الإله، والإله مرقى إلى تعقل الأحد، والأحد مرقى إلى التعبد للذات الأقدس الأنزه، ومن اعتقد أحديته سبحانه وتعالى، أنتج له ذلك حبه وتعظيمه، وهو توحيد الألوهية لأن التفرد بذلك يقتضي الكمال والجمال - والله الموفق.
٥٨٧