ولما عرفت هذه السورة حقيقة الذات أتم تعريف، وكان الغرض الأقصى من طلب العلوم بأسرها معرفة ذاته سبحانه وتعالى وصفاته وكيفية صدور الأفعال عنه وكان القرآن العظيم كفيلاً بجميع هذه العلوم، وكانت هذه السورة منه قد تكفلت بجميع ما يتعلق بالبحث عن الذات على سبيل التعريض والإيماء، وكانت معادلة لثلث القرآن وهي ثلث أيضاً باعتبار آخر وهو أن الدين اعتقاد، وفعل لساني يترجم عن الاعتقاد، وفعل يصحح ذلك، وهي وافية بأمر الاعتقاد بالوحدانية الذي هو رأس الاعتقاد، وباعتبار أن مقاصده كلها محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وهذه السورة على وجازتها قد استملت على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها، ولأجل أن هذا هو المقصود بالذات الذي يتبعه جميع المقاصد عدلت في بعض الأقوال بجميع القرآن، وحاصل شرح هذه السورة العظمة أنه سبحانه وتعالى دل على الذات الأقدس بالهوية، وعبر عنها بالضمير إشارة إلى نفي الماهية التي غلظ أو غالط فيها الكفور الأعظم فرعون - لعنة الله عليه وعلى أتباعه أهل الإلحاد، وأنصاره وأشياعه من أهل الاتحاد، ودل على ذلك بالاسم الأعظم المجمع عليه ودل عليه بالوحدة الجامعة للغنى، النافية للكثرة الموجبة لحاجة، ودل عليه بالصمدية النافية للجوفية المثبتة للسيادة الخفية، ودل عل أول معنييها بانتفاء الولادة منه وله، الدالان على نفي الجنس للقوم
٥٩٣
والفصل المقسم، ودل على الثاني بعدم المكافئ، ودل على هذا العدم بأفعاله العظيمة المشاهدة التي أشار قطعاص ترتيب السور بما انتهى إليه وضع هذه السورة في هذا الموضع إلى استحضارها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧٧