ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال :﴿برب الفلق *﴾ أي الذي يربيه وينشئ منه ما يريد، وهو الشيء المفلق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال، وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد، وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل، وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات، قال الملوي : والفلق - بالسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات، الكائنات جميعها - انتهى.
وخص في العرف بالصبح فقيل : فلق الصبح، ومنه قوله تعالى :﴿فالق الاصباح﴾ [الأنعام : ٩٦] لأنه ظاهر في تغير الحال ومحاطاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا والهلاك بالبعث والإحياء، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه، لأنه لا فرق، بل البعث أهون في عوائد الناس لأنه إعادة، كذا سائر الممكنات، ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٠٣
ولما كانت الأشياء قسمين : عالم الخلق، وعالم الأمر، وكان عالم الأمر خيراً كله، فكان الشر منحصراً في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة فقال تعالى معمماً فيها :﴿من شر ما خلق *﴾ أي منكل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته، والشر تارة يكون اختيارياً من العاقل الداخل تحت مدلول " لا " وغيره من سائر الحيوان كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم، وتارة طبيعياً كإحراق النار وإهلاك السموم.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : قد أشير، أي في الكلام على ارتباط الإخلاص - إلى وجه ارتباطها آنفاً، وذلك واضح إن شاء الله تعالى - انتهى.


الصفحة التالية
Icon