ولما كان الشيء الذي اتصف بالظلام يكثف فيشتد انصبابه وأخذه في السفول إلى أن يستقر ويستحكم فيما صوب إليه مجتمعاً جداً كاجتماع الشيء في الوقبة وهي النقرة في الصخرة، وكان الظلام لا يشتد أذاه إلا إذا استقر وثبت، قال معبراً بأدة التحقق :﴿إذا وقب *﴾ أي اعتكر ظلامه ودخل في الأشيءا بغاية القوة كمدخول الثقيل الكثيف المنصب في النقرة التي تكون كالبئر في الصخرة الصماء الملساء، وهذا إشارة إلى أنه يسهل علاجه وزواله قبل تمكنه، وفي الحديث "لما رأى الشمس قد وقبت قال : هذا حين حلها" يعني صلاة المغرب، وفيه عند أبي يعلى أنه قال لعائشة رضي الله تعالى عنها عن القمر :"تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب" وأكثر الأقوال أنه الليل، خص بالاستعاذة لأن المضار فيه تكثر ويعسر دفعها، وأصل الغسق الظلام، ويلزم منه الامتلاء، وقيل : إن الامتلاء هو الأصل، وأصل الوقوب الدخول في وقة أو ما هو كالوقبة وهي النقرة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٠٣
ولما كان السحر أعظم ما يكون من ظلام الشر المستحكم في العروق الداخل في وقوبها.
لما فيه من تفريق المرء من زوجه وأبيه وابنه، ونحو ذلك، وما فيه من ضنى الأجسام وقتل النفوس، عقب ذلك بقوله تعالى :﴿ومن شر﴾.
ولما كان كل ساحر شريراً بخلاف الغاسق والحاسد، وكان السحر أضر من الغسق
٦٠٥


الصفحة التالية
Icon