يظهر ذلك بأن أغلب الخلق أجوف، والأجوف يعمل مبسوطاً ثم يضم ويوصل أحد جانبيه بالآخر فيكون ثم نوع فطر يعرفه أهل الحذق وإن اجتهد صانعه في إخفائه وغن كان فيه أشياء متقابلة كان يفها تفاوت ولو قل وإن اجتهد الصانع في المساواة، وخلق الله لا تفاوت فيه بوجه، فالسماوات كرية ولا ترى في جانب منها شقاً ولا فطراً ظاهراً ولا خفياً، والحيوان أجوف ولا ترى في شيء من جسده فصماً يكون الضم والتجويف وقع به وكل من متقابليه مساو للأخر كالعينين والأذنين والمنخرين والساقين ونحوها مما يقصد فيه التساوي لا تفاوت فيه أصلاً - إلى غير ذلك مما يطول شرحه، ولا يمكن ضبطه، فسبحانه من لا تتناهى قدرته فلا تتناهى مقدوراته، ولا تحصى بوجه معلوماته، وكل ذلك عليه هين، والأمر في ذلك واضح بين، هذا مع الاتساع الذي لا يدرك مقداره بأكثر من أن كل سماء بالنسبة إلى التي فوقها كحلقة ملقاة في فلاة إلى أن يوصل إلى الكرسي ثم العرش العظيم، ومن سر كونها كذلك حصوله النفع بكل ما فيها من كواكب مرطبة أو ميبسة أو منورة واتصالات ممطرة ومثبتة يجري كل ذلك منها على ترتيب مطرد، ونظام غير منخرم مقدر جريه بالقسط مرتب على منافع الوجود ومصالح الكائنات كلها مكفوفة على هواء لطيف بتدبير شريف : لا يتعدى شيء منها طوره ولا يتخطى حده، ولا يرسب فيها تحته من الهواء فيهوي، ولا يرتفع عن محله بمقدار ذرة فيطفو، قد أحاط بكلها الأمر، وضبطها صاغرة القهر.
ولما كان العلم الناشىء عن الحسن أجل العلوم، دل على بديع ما ذكره بمشاهدة الحسن له كذلك، فسبب عنه قوله منبهاً بالرجع الذي هو تكرير الرجوع على أن كل أحد يشاهد ذلك كذلك من حين يعقل إلى أن يبلغ حد التكليف المقتضي للمخاطبة بهذا
٦٧
الكلام :﴿فارجع البصر﴾ أي بعد ترديدك له قبل ذلك، ودل بتوجيه الخطاب نحو أكمل الخلق ﷺ في السمع والبصر والبصيره وكل معنى إلى أن ذلك لا شبهة فيه.