" صفحة رقم ١٤٥ "

فصل في الإيمان


البقرة :( ٣ ) الذين يؤمنون بالغيب.....
) الذين يؤمنون بالغيب ( اعلم أن حقيقة الإيمان هي التصديق بالقلب لأن الخطاب الذي توجه عليها بلفظ آمنوا إنما هو بلسان العرب ولم يكن العرب يعرفون الإيمان غير التصديق والنقل في اللغة لم يثبت فيه إذ لو صح النقل عن اللغة لروي عن ذلك كما روي في الصلاة التي أصلها الدعاء.
إذا كان الأمر كذلك وجب علينا أن نمتثل الأمر على ما يقتضيه لسانهم كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه السلام وبينه ) وما أنت بمؤمن لنا ( : أي بمصدق لنا ولو كنا صادقين ويدل عليه من هذه الآية أنه لما ذكر الإيمان علقه بالغيب ليعلم أنه تصديق الخبر فيما أخبر به من الغيب ثم أفرده بالذكر عن سائر الطاعات اللازمة للأبدان وفي الأموال فقال :) ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( والدليل عليه أيضا أن الله تعالى حيث ما ذكر الإيمان [ نسبه ] إلى القلب فقال :) من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ( وقال :) وقلبه مطمئن بالإيمان ( وقال :) أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ( ونحوها كثير.
فأما محل الإسلام من الإيمان فهو كمحل الشمس من الضوء : كل شمس ضوء وليس كل ضوء شمسا وكل مسك طيب وليس كل طيب مسكا كذلك كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا إذا لم يكن تصديقا ؛ لأن الإسلام هو الانقياد والخضوع يدل عليه قوله تعالى :) قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ( من خوف السيف وقول النبي ( ﷺ ) :( ( الإيمان سرا ) ) وأشار إلى صدره ( والإسلام علانية ) ) وقوله ( ﷺ ) :( ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه ) ).
وكذلك اختلف جوابه لجبرائيل في الإسلام والإيمان فأجاب في الإيمان بالتصديق وفي الإسلام بشرائع الإيمان وهو ما روى أبو بريده وهو يحيى بن معمر قال : أول من قال في القدر بالبصرة سعيد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله ( ﷺ ) فسألناه عما يقول هو : ما في القدر ؟ فوافقنا عبد الله ابن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن


الصفحة التالية
Icon