" صفحة رقم ٧٤ "
والصباح... العزم... حتى رزقني الله تعالى - وله الحمد - من ذلك ما عرفت به الحق
من الباطل، والمفضول من الفاضل، والصحيح من السقيم، والحديث من القديم، والبدعة من
السنة، والحجة من الشبهة. فألفيت المصنفين في هذا الباب فرقا على طرق : فرقة منهم أهل
البدع والأهواء وفرقة المسالك والآراء مثل البلخي والجبائي والأصفهاني والرماني، وقد أمرنا
بمجانبتهم وترك مخالطتهم، ونهينا عن الاقتداء بأقوالهم وأفعالهم فاختاروا ممن تأخذون دينكم،
وفرقة ألفوا وقد أحسنوا غير أنهم خلطوا أباطيل المبتدعين بأقاويل السلف الصالحين كما جمع
بين... لاسفدوانية مثل أبي بكر القفال وأبي حامد المقري. وهما من الفقهاء الكبار،
والعلماء الخيار، ولكن لم يكن التفسير حرفتهم، ولا علم التأويل صنعتهم ؛ ولكل عمل رجال،
ولكل مقام مقال.
وفرقة اقتصروا على الرواة والنقل دون الدراية والنقد مثل الشيخين أبي يعقوب إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي، وأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأنماطي. وبياع الدواء محتاج إلى الأطباء.
وفرقة حرموا الإسناد الذي هو الركن والعماد، وتملكوا الصحف والدفاتر وجهدوا على ما
هو بين الخواطر، وذكروا الغث والسمين، والركيك والمتين، وليسوا في عداد العلماء فصنت
الكتاب عن فكرهم، والقراءة والعلم سنة يأخذها الأصاغر عن الأكابر. ولولا الإسناد لقال من
شاء ما شاء.
وفرقة حازوا قصب السبق في عمدة التصنيف والحذق، غير أنهم طولوا كتبهم بالمعادات،
وكثرة الطرق والروايات، وحشوها بما منه بد، فقطعوا عنها طمع المسترشد مثل الإمام أبي
جعفر محمد بن جرير الطبري، وشيخنا أبي محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني. وازدحام
العلوم مضلة للفهوم.
وفرقة جردوا التفسير دون الأحكام، وبيان الحلال من الحرام، والحل عن الغوامض
والمشكلات، والرد على أهل الزيغ والشبهات كمشايخ السلف الصالحين، والعلماء القدماء من
التابعين وأتباعهم مثل مجاهد ومقاتل، والكلبي والسدي، ولكل من أهل الحق فيه غرض محمود
وسعي مشكور.
فلما لم أعثر في هذا الشأن على كتاب جامع مهذب يعتمد في علم القرآن عليه... ،
ورأيت رغبة الناس عن هذا العلم ظاهرة، وهممهم عن البحث فيه قاصرة، وطباعهم عن النظر
في البسائط نافرة، وانضاف إلى ذلك سؤال قوم من المبرزين، والعلماء المحصلين، والرؤساء


الصفحة التالية
Icon