" صفحة رقم ٢٥٦ "
هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا اللّه طرفة عين )، فقال :( أنزل اللّه تعالى عليك خيراً من ذلك )، ثم قرأ عليه :) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( لأن هذا أفضل مما عجبت أنت وأُمّتك ) قال : فسرّ بذلك النبي ( ﷺ ) والناس معه.
وأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا محمد بن إسحاق قال : حدّثنا سعيد بن عيسى قال : حدّثنا فارس بن عمرو قال : حدّثنا صالح قال : حدّثنا مسلم بن خالد بن أبي نجح أن النبي ( ﷺ ) ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر قال : فعجب المسلمون من ذلك فأنزل اللّه سبحانه :) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر ( الذي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل اللّه.
ويقال : إنّ ذلك الرجل كان شمشون ( عليه السلام )، وكانت قصته على ما ذكر وهب بن منبه أنّه كان رجلا مسلماً وكانت أُمّه قد جعلته نذيراً، وكان من أهل قرية من قرى الروم كانوا يعبدون الأصنام، وكان منزله منها على أميال غير كثيرة، فكان يغزوهم وحده، ويجاهدهم في اللّه فيصيب منهم وفيهم حاجته، ويقتل ويسبي ويصيب الأموال، وكان إذا لقيهم لقيهم بلحي بعير لا يلقاهم بغيره، فإذا قاتلوه وقاتلهم وتعب وعطش انفجر له من الحجر الذي في اللحي ماء عذب فيشرب منه حتى يروى.
وكان قد أُعطي قوّة في البطش، وكان لا يوثقه حديد ولا غيره، فكان كذلك، فجاهدهم في اللّه، يصيب منهم حاجته لا يقدرون منه على شيء حتى قالوا : لن تأتوه إلاّ من قبل امرأته، فدخلوا على امرأته فجعلوا لها جعلا فقالت : نعم، أنا أوثقه لكم فأعطوها حبلا وثيقاً، وقالوا لها : إذا نام فأوثقي يده إلى عنقه حتى نأتيه فنأخذه، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بذلك الحبل، فلما هبُّ جذبه بيده فوقع من عنقه.
فقال لها : لم فعلت ذلك ؟ فقالت : أُجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك، فأرسلتْ إليهم : إني قد ربطته بالحبل فلم أُغنِ شيئاً، فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، وقالوا : إذا نام فاجعليها في عنقه، فلمّا نام جعلتها في عنقه، فلمّا هبَّ جذبها فوقعت من يده وعنقه، فقال لها : لم فعلت هذا ؟ قالت : أجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمشون، أما في الأرض شيء يغلبك ؟ قال : إلاّ شيء واحد، قالت : وما هو ؟ قال لها : ها أنا لمخبرك به، فلم تزل تسأله عن ذلك وكان ذا شعر كثير، فقال لها : ويحك إنّ أُمّي كانت جعلتني نذيراً فلا يغلبني شيء أبداً، ولا يضبطني إلاّ شعري، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بشعر رأسه، فأوثقه ذلك وبعثت إلى القوم.


الصفحة التالية
Icon