" صفحة رقم ٢٩٣ "
وقال نفيل أيضاً في ذلك :
ألا حييت عنا ياردّينا
نعمنا كم مع الإصباح عينا
ردُيّنة لو رأيت ولم تريه
لدى جنب المحصّب ما رأينا
إذاً لغذرتني وحمدت رأيي
ولم تأسي على مافات بينا
حمدت اللّه إذ عاينت طيراً
وخفت حجارةً تُلقى علينا
فكلّ القوم يسألُ عن نفيل
كأن عليَّ للحبشانِ دينا
ونفيل ينظر إليهم من بعض الجبال وقد صرخ القوم وهاج بعضهم في بعض، وخرجوا يتساقطون بكلّ طريق ويهلكون على كل منهل، وبعث على إبرهة داءً في جسده، فجعل تتساقط أنامله، كلّما سقطت أُنملة اتبعتها مدة من قيح ودم، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه، ومامات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك.
وزعم مقاتل بن سليمان أنّ السبب الذي جرّ حديث أصحاب الفيل هو أنّ قبيلة من قريش خرجوا تجّاراً إلى أرض النجاشي، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر وفي حقف من أحقافها بِيْعَة النصارى يسمّيها قريش : الهيكل، ويسمّى النجاشي وأهل أرضة : اطاسر حنان، فبرك القوم في سدّها فجمعوا حطباً ثم أجّجوا ناراً فاشتووا، فلمّا ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف، فعجّت الرياح فاضطرم الهيكل ناراً، فانطلق الصريخ إلى النجاشي فأخبره فاسف عند ذلك غضباً للبيعة، فبعث إبرهة لهدم الكعبة ( وما لقيه ).
وكان بمكّة يومئذ أبو مسعود الثقفي، وكان مكفوف البصر يصيّف بالطائف ويشتو بمكّة، وكان رجلا نبيهاً نبيلا يستسقم الأمور برأيه، وهو أول راتق وأول فاتق، وكان خليلا لعبد المطّلب، فقال عبد المطلب : يا أبا مسعود ماذا عندك ؟ هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك.
فقال أبو مسعود لعبد المطّلب : اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها حرماً للّه، وقلّدها نعلا ثم أثبتها في الحرم لعلّ بعض هذه السودان تعقُر منها فيغضب ربُّ هذا البيت فيأخذهم، ففعل ذلك عبد المطّلب، فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها فجعل عبد المطلب يدعو.
فقال أبو مسعود :( قال عبد المطلب ) : إنّ لهذا البيت لربّاً يمنعه، فقد نزل تبع ملك اليمن بصخر هذا البيت وأراد هدمه، فمنعه اللّه وابتلاه وأظلم عليه ثلاثة أيام، فلمّا رأى ذلك تبّع كساه القباطي البيض وعظّمه ونحر له جزراً، فانظر نحو البيت.


الصفحة التالية
Icon