" صفحة رقم ٣٠٢ "
) رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ( اختلفوا في وجه انتصاب الرحلة فقيل : نصبت على المصدر أي ارتحالهم رحلة، وإنْ شئت نصبته بوقوع إيلافهم عليه، وإنْ شئت على الظرف بمعنى : على رحلة، وإنْ شئت جعلتهما في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء والصيف، والأول أعجب وأحبّ إليّ لأنّها مكتوبة في المصاحف بغير ياء.
وأمّا التفسير : فروى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكّة ويصيفون بالطائف، فأمرهم اللّه سبحانه أن يشتوا بالحرم ويعبدوا ربّ البيت.
وقال أبو صالح : كانت الشام فيها أرضٌ باردة وفيها أرض حارة، وكانوا يرتحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة وكانت لهم رحلتان كلّ عام للتجارة : أحدهما في الشتاء إلى اليمن ؛ لأنها أدفأ، والأُخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً جدباً لازرع فيه ولا ضرع، ولا ماء ولا شجر، وإنّما كانت قريش تعيش بها بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يُتعرض لهم بسوء.
وكانوا يقولون : قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته، فلولا الرحلتان لم يكن لأحد بمكّة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرّف، فشقّ عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، وأخصبت تبالة وجرش والجند من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكّة، أهل الساحل في البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمر، فألقى أهل الساحل بجدّة وأهل البرّ بالمحصّب، وأخصبت الشام فحملوا الطعام إلى مكّة، فحمل أهل الشام إلى الأبطح، وحمل أهل اليمن إلى الجدّة، فامتاروا من قريب وكفاهم اللّه مؤونة الرحلتين وأمرهم بعبادة ربّ البيت.
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد قال : حدّثنا القاسم بن زكريّا المطرّز قال : حدّثنا محمد بن سليمان قال : حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير قال : مرَّ رسول اللّه ( عليه السلام ) ومعه أبو بكر بملَئِهم ينشدون :
يا ذا الذي طلب السماحة والندى
هلاّ مررت بآل عبد الدارِ
هلاّ مررت بهم تريد قِراهمُ
منعوك من جهد ومن إقتار
فقال رسول اللّه ( ﷺ ) لأبي بكر :( أهكذا قال الشاعر يا أبا بكر ؟ ) قال : لا، والذي بعثك بالحق، بل قال :
يا ذا الذي طلب السماحة والندى
هلاّ مررت بآل عبد منافِ
لو أنْ مررت بهم تريد قِراهمُ
منعوك من جهد ومن إيجاف
الرائشين وليس يوجد رائش
والقائلين هلُمَّ للأضياف


الصفحة التالية
Icon