" صفحة رقم ٣٥٢ "
وإذا كان إدراكه بالاستنباط، فقد دل بذلك على أن من العلم مايدرك بالتلاوة والرواية وهو النص.
ومنه ما يدرك منه ومن المعنى، وحقيقة الاعتبار والاستنباط من القياس للحكم بالمعاني المودعة في النصوص غير الحكم بالنصوص
النساء :( ٨٤ ) فقاتل في سبيل.....
) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ ( وذلك أن رسول الله ( ﷺ ) لما التقى هو وأبو سفيان بن حرب يوم أُحد وكان من هربهم ما كان، ورجع أبو سفيان إلى مكة فواعد رسول الله ( ﷺ ) موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد قال الناس : اخرجوا إلى العدو.
فكرهوا ذلك كراهه شديدة أو بعضهم، فأنزل الله تعالى ) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ ( أي لاتدع جهاد العدو وإنصاف المستضعفين من المؤمنين ولو وحدك.
وقيل : معناه لاتلزم فعل غيرك ولاتؤخذ به ولم يرد بالتكليف الأمر لأنه يقتضي على هذا القول ألا يكون غيره مأموراً بالقتال.
والفاء في قوله ( فقاتل ) جواب عن قوله ) وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْراً عَظِيماً ( فقاتل ) وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ ( على القتال أي حثَّهم على الجهاد ورغّبهم فيه، فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا معه إلى القتال، فخرج رسول الله ( ﷺ ) في سبعين راكباً حتى أتى موسم بدر، فكفّ بهم الله تعالى بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان ولم يكن له أن يُوافق، فانصرف رسول الله ( ﷺ ) أصحابه.
وذلك قوله ) عَسَى اللهُ ( أي لعل الله ) أنْ يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ( أي قتال المشركين وصولتهم حين ولّيتم وهي من الله واجب، حيث كان، وقد جاء في كلام العرب بمعنى اليقين.
قال ابن مقبل :
ظنّي أنهم كعسى، وهم بنتوفة
يتنازعون جوائز الأمثال
) وَاللهُ أشَدُّ بَأساً ( أي أشد صولة وأعظم سلطاناً وأقدر على مايريد ) وَأشَدُّ تَنكِيلا ( أو عقوبة.
فإن قيل : إذا كان من قولكم : إن عسى من الله واجب فقد قال الله ) عَسَى اللهُ أنْ يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ( ونحن نراهم في بأس وشدة، فأين ذلك الوعد ؟ فيقال لهم : قد قيل : إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى، والحديبية بقوله ) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ( الآية، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص.