" صفحة رقم ٣٦٢ "
قال : فغفل معين الفهري فرماه بصخرة فشدخ رأسه، ثم ركب بعيراً منها وساق بقيّتها راجعاً إلى مكة كافراً، فجعل يقول في شعره :
قتلت به فهراً وحملت عقله
سراة بني النجار، أرباب فارع
وأدركت ثاري واضطجعت موسّداً
وكنت إلى الأوثان، أوّل راجع
قول فيه ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ( بكفره، وارتداده عن الإسلام.
حكم هذه الآية
فقالت الخوارج والمعتزلة : إنّها نزلت في المؤمن إذا قتل مؤمناً وهذا الوعيد لاحق به.
وقالت المرجئة : إنّها نزلت في كافر قتل مؤمناً، فأما المؤمن إذا قتل مؤمناً فإنه لايدخل النار.
وقالت طائفة من أصحاب الحديث، إنها نزلت في مؤمن قتل مؤمناً وواعد عليه مالبث إلاّ أن يتوب أو يستغفر.
وقالت طائفة منهم : كل مؤمن قتل مؤمناً فهو خالد في النار غير مؤيد ويخرج منها بشفاعة وجزاء وزعموا انه لا توبه لمن قتل مؤمناً متعمداً.
وعندنا أن المؤمن إذا قتل مؤمناً متعمداً فإنه لايكفر بفعله ولا يخرج عن الإيمان، إلاّ إذا فعل ذلك على جهة الاستحلال والديانة.
فأما إذا لم يفعله على جهة الاستحلال والديانة فإنّ ديته قتيلاً ممن قتله وذلك كفارة له، فإن كان تائباً من ذلك ولم يكن منقاداً ممن قيل كانت التوبة لهذا كفارة له.
وإن خرج من الدنيا بلا توبة ولا ( قود ) فأمره إلى الله إن شاء غفر له وأرضى خصمه بما شاء، وإن شاء عذبه على فعله ثم يخرجه بعد ذلك إلى الجنة التي وعدها إن شاء الله لايخلف وعداً وترك المجازاة بالوعيد يكون تفضلاً، وترك المجازاة بالوعد يكون خلفاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والدليل على أن المؤمن لايصير بقتله المؤمن كافراً ولا خارجاً من الإيمان أنّ الله تعالى حين ذكر إيجاب القصاص سمّى القاتل مؤمناً بقوله ) يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى (.


الصفحة التالية
Icon