" صفحة رقم ٤٣ "
الملك ممن تشاء ( : ملك النفس حتى يغلبهُ هواه ويتخذهُ إلهاً. كما قال اللَّه عزَّ وجل ) أفرأيت من اتخذ إلاههُ هواه (.
وقال الشاعر :
ملكتُ نفسي فذاك ملكٌ
ما مثلهُ للأنام ملكٌ
فصرتُ حراً بملك نفسي
فما لخلق عليَّ ملكٌ.
آخر :
من ملك النفس فحر ( ضاهي )
والعبدُ من يملكهُ هواه
وقيل : هو ملك العافية. قال اللَّه تعالى :) وجعلكم ملوكاً (
وقال النبي ( ﷺ ) ( من أصبح منكم آمناً في سربه. معافىً في بدنه، وعندهُ قوت يومهِ ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ).
وقيل : هو القناعة. قال النبي ( ﷺ ) ( ملوك أمتي القانع يوماً بيوم، فمن أوتي ذلك فلم يقبلهُ بقبوله ولم يصبر عليه شاكراً قصر عملهُ، وقل عقلهُ ).
وعن ابن المبارك قال : دخلت على سفيان الثوري بمكة، فوجدتهُ مريضاً شارب دواء، وبه غمٌ شديد فسلمتُ عليه، وقلت : مالك يا عبد اللَّه ؟ فقال : أنا مريضٌ شارب دواء وبيَّ غمٌ شديد، فقلتُ : أعندك بصلة ؟ قال : نعم، فقلت : آتيني بها فأتاني بها، فكسرتها ثم قلتُ : شِمَّها فشَمَّها ؛ فعطس عند ذلك فقال : الحمدُ لله ربَّ العالمين، فسكن ما به، فقال لي : يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب أو قال : عالمٌ وطبيب، فقلت لهُ : مجرّب يا أبا عبد اللَّه. قال : فلمّا رأيته سكن ما بهِ وطابت نفسهُ. قلتُ : إني أريد أنْ أسألك حديثاً. فقال : سلْ ما شئتَ.
فقلت : أخبرني ما الناس ؟ قال : الفقهاء. قلتُ : فما الملوك ؟ قال : الزَّهادْ. قلتُ : فما الاشراف ؟ قال : الأتقياء. قلتُ : فما الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له : أخبرني رحمك اللَّه : ما السفلة ؟ قال : الظلمة. ثم ودّعتهُ وخرجت من عنده. قال : يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنهُ موجود رخيص قبل أنْ يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى :) تؤتي الملك من تشاء ( : يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما قال رسول اللَّه ( ﷺ ) ( إنَّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم ).


الصفحة التالية
Icon