" صفحة رقم ٥٧ "
فقال له الأحبار : لا تفعل ذلك ؛ فإنّها لو تركت وحقُّ الناس بها لتركت لأُمها التي ولدتها، ولكنّا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين رجلاً إلى نهر جاري.
قال السدي : هو نهر الأردن، فألقوا أقلامهم في الماء، فارتفع قلم زكريا فوق الماء وانحدرت أقلامهم ( ورسبت ) في النهر، قاله ابن إسحاق وجماعة.
وقال السدي وجماعة : بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جريان الماء ( فذهب بها الماء )، فسهمهم وقرعهم زكريا، وكان رأس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى :) وكفّلها زكريّا ( ضمّها إلى نفسه وقام بأمرها.
قال ابن إسحاق : فلمّا كفّلها زكريا ضمّها إلى خالتها أم يحيى واسترضع لها، حتى إذا نشأت وبلغت مبالغ النساء بنى لها محراباً : أي غرفة في المسجد، وجعل بابه إلى وسطها، لا يرقى إليها إلاّ بسلّم مثل باب الكعبة، فلا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كلّ يوم.
) كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً ( : يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف غضّاً طريّاً. ) قال يا مريم أنّى لكِ هذا ( فإنّها كانت إذا رزقها اللَّه شيئاً وسألت عنه ) قالت هو من عند اللَّه إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب (.
( أخبرنا عبدالله بن حامد بإسناده عن جابر بن عبدالله : أنّ رسول الله ( ﷺ ) أقام أيّاماً لم يُطعم طعاماً، حتى شقّ ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئاً، فأتى فاطمة رضي الله عنها فقال :( يا بنيّة هل عندكِ شيء آكلُ فإنّي جائع ؟ )
فقالت : لا والله بأبي أنتَ وأمّي، فلمّا خرج رسول الله ( ﷺ ) من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطّت عليه وقالت : لأوثرنّ بها رسول الله ( ﷺ ) على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة من طعام، فبعثت حسناً وحسيناً إلى جدّهما رسول الله ( ﷺ ) فرجع إليها، فقالت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك، قال :( فهلمّي به )، فأُتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّها من بركة الله، فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيّه،