" صفحة رقم ٢٠ "
واختلفوا في هذه الجوارح التي يحل صيدها بالتعليم غير المدرك ذكاته وما أدركت فما ذكاته فهو لك، وإلاّ فلا يطعم، وهذا غير معمول به.
وقال سائر العلماء : هي الكواسب من السباع والبهائم والطير مثل النمر والفهد والكلب والعقاب، والصقر، والبازي، والباشق، والشاهين ونحوها مما يقبل التعليم، فسميت جوارح لجرحها أربابها أقواتهم من الصيد أي كسبها. يقال : فلان جارحة أهلها أي كاسبهم ولا جارحة لفلان إذ لم تكن لها كسب ) مكلبين ( منصوب على الحساب في المعنى وصيد ما علمتم من الجوارح مكلبين إلى هذه الحال أي في حال صيدكم ( أصحاب ) كلاب، والتكليب إغراء الصيد وإشلاؤه على الصيد.
قال الشاعر :
باكره عند الصباح مكلّب
أزلّ كسرحان القصيمة أغبر
قرأ أبن مسعود وأبو زرين والحسن : مكلبين بتخفيف اللام على هذا المعنى، وهي قراءة الحسن والقتيبي أيضاً، ويجوز أن يكون من قولهم : أكلب الرجل، إذا كثرت كلابه، مثل : وأمشى إذا كثرت ماشيته، وذكر الكلاب لإنها أكثر وأعم والمراد به جميع الجوارح.
) تعلّمونهن ( آداب الصيد ) مما علّمكم اللّه ( أي من العلم الذي علمكم اللّه، وقال السّدي : من بمعنى الكاف، أي كما علّمكم اللّه، وهو أن لا ( يجثمن ) ولا يعضنّ ولا يقتلن ولا يأكلن ) فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه ( عند إرسال البهم والجوارح.
حكم الآية
والمعلم من الجوارح الذي يحلّ صيده هو أن يكون إذا أرسله صاحبه وأشلاه استشلى وإذا أخذ أمسك ولم يأكل. فإذا دعاه أجابه، وإذا أراده لم يفرّ منه، فإذا فعل ذلك مرّات فهو معلّم فمتى كان بهذا الوصف فاصطاد جاز أكله فإذا أمسك الصيد ولم يأكل منه جاز أكله، وكان حلالاً، فإن أكل منه، فللشافعي فيه قولان : أحدهما : لا يحلّ ولا يؤكل وهو الأشهر والأظهر من مذهبه لأنّ اللّه عز وجل قال :) فكلوا مما أمسكن عليكم ( وهو لم يمسك علينا وإنما أمسك على نفسه، وهذا قول الحسن وطاووس والشعبي وعطاء والسدّي.
وقال ابن عباس : إذا أرسلت الكلب فأكل من صيد فهي ميتة لا يحل أكله لأنه سبع أمسكه على نفسه، ولم يمسك عليك ولم يتعلم ما علّمته، فاضربه ولا تأكل من صيده