" صفحة رقم ٢٤٧ "
وكانت الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو حرب دعوا إلى الله الفرج وطلبتهم إلى الله عند البيت الحرام بمكّة مسلمهم ومشركهم فتجتمع بمكّة ناس كثير شتى مختلفة أديانهم وكلّهم معظّم لمكّة عارف بحرمتها ومكانها من الله عزّ وجلّ. وأهل مكّة يومئذ العماليق وإنّما سُمّوا العماليق لأن أباهم عمليق بن لاود بن سام بن نوح وكان سيّد العماليق إذ ذاك بمكة رجل يقال له : معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت ( الخبيري ) رجل من عاد الأكبر فلمّا قحط المطر عن عاد ( وجمدوا ) قال : جهزوا وفداً إلى ( أن يستسقوا ) لكم فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعتيل بن ضد بن عاد الأكبر ومرثد بن سعد بن عقير.
وكان مسلماً يكتم إسلامه وجهلمة بن الخيبري، قال معاوية بن بكرة : ثمّ بعثوا لقمان ابن عاد بن صد بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم ومعه رهط من قومه حتّى بلغ ( عدّة فعدّهم ) سبعين رجلاً فلمّا قدموا مكّة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكّة خارجاً من الحرم. فأنزلهم وأكرمهم وكانوا إخوانه وأصهاره فأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر، وكان مسيرهم شهراً ومقامهم شهراً، فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوّثون من البلاء الذي أصابهم أشفق ذلك عليه وقال : هلك إخواني وأصهاري وهؤلاء يقيمون عندي وهم ضيفي والله ما أدري كيف أصنع بهم إنّي لأستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنون أنّه ضِيق منّي ببقائهم عندي، وقد هلك من ورائهم من قومهم ( جدباً ) وعطشاً، فشكى ذلك من أمرهم إلى قينيتيه الجرادتين فقالتا : اصنع شعراً نغني به لا يدرون من قاله لعلّ ذلك ( يحرّكهم ).
فقال معاوية بن بكر :
لعل الله يسقينا غماماً
ألا يا قيل ويحك قم فهينم
قد أمسوا لا يبينون كلاما
فيسقي أرض عاد ان عاداً
به الشيخ الكبير ولا الغلاما
من العطش الشديد فليس نرجو
فقد أمست نساؤهم عيامىً
وقد كانت نسائهم بخير
ولا يخشى لعادي سهاماً
وإن الوحش يأتيهم جهاراً
نهاركم وليلكم إلتماما
وأنتم ههنا فيما أشتهيتم
قوم ولا لقوا التحيّة والسلاما
فقبح وفدكم من وفد
فلما قال الشعر غنتهم به الجرادتان فلما سمع القوم قال بعضهم لبعض : إنّما بعثكم قومكم يتغوّثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم وقد أطلتم عليهم فادخلوا هذا الحرم واستسقوا


الصفحة التالية
Icon