" صفحة رقم ٢٤٩ "
وكان أول من أبصر ما فيها وعرف إنّها ريح امرأة من عاد يقال لها : مهدر، فلمّا أتت عليهم صاحت وصعقت. فلما أفاقت قالوا : ماذا رأيت ؟ قالت : رأيت ريحها فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها ) سخّرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ( أي دائمة فلم يدع من عاد أحداً إلاّ هلك.
فاعتزل هود ( عليه السلام ) ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبها ومن ريح إلاّ ما تلين عليه الجلود وتلتذ الأنفس. وإنها لترتفع بعاد والظعن إلى ما بين السماء والأرض وتدفعهم بالحجارة.
وخرج وفد عاد من مكّة حتّى مرّوا بمعاوية بن بكر فنزلوا عليه فبينما هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر. فقالوا له : فأين فارقت هود وأصحابه ؟ قال : فارقتهم بساحل البحر وكأنّهم شكوا فيما حدّثهم به فقالت هذيلة بنت بكر : صدق ورب مكّة.
وذكروا أنّ مراد بن سعد ولقمان بن عاد، وقيل : بن عنز حين دعوا بمكّة قيل لهم قد أعطيتهم مناكم فاختاروا لأنفسكم إلاّ أنّه لا سبيل إلى الخلود ولابد من الموت فقال مهد : اللهم أعطني ( برّاً وصدقاً ) فأعطي ذلك. وقال لقمان : أعطني يارب عمراً، فقيل له : اختر لنفسك بقاء سبع بعراتسمر من أظب عفر في جبل وَعَر لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر إذا مضى نسر خلف بعده نسر واختار سبعة أنسر فعمر لقمان عمر سبعة أنسر يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضة ويأخذ الذكر منها لقوته حتّى إذا مات أخذ غيره، ولم يزل يفعل ذلك حتّى على السابع، وكان كل نسر يعيش مئتي سنة وكان آخرها لبد، فلما مات لبد مات لقمان معه.
وأما قيل : فإنّه اختار أن يصيبه ما أصاب قومه فقيل له : أنّه الهلاك فقال : لا أُبالي لا حاجة لي في البقاء بعدهم فأصابه الذي أصاب عاداً من العذاب فهلك.
عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : أوحى الله إلى الريح العقيم أن تخرج على قوم عاد فتنتقم له منهم، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتّى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب فقال ( الخزان ) يارب لن نطيقها، ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها فأوحى الله إليها أن ارجعي فاخرجي على قدر خرق الخاتم ( فرجعت ) فخرجت على قدر خرق الخاتم وهي الخلقة