" صفحة رقم ٥٦ "
وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرّ حتى ماتوا، ثم اختلفوا في حكم الآيتين. فقال بعضهم : هي منسوخة لأن المثلة لا تجوز وشرب بول الإبل لا يجوز.
وقال آخرون : حكمه ثابت إلاّ السمل والمثلة. قال الليث بن سعد : نزلت هذه الآية معاتبة لرسول اللّه ( ﷺ ) وتعليماً منه إيّاه عقوبتهم فقال :( إنما جزاؤهم هذا ) أي المثلة.
ولذلك ما قام رسول اللّه ( ﷺ ) خطيباً إلاّ نهى عن المثلة، واختلفوا في المحارب الذي يستحق هذا الحد.
فقال بعضهم : واللص الذي يقطع الطريق والمكابر في الأمصار والذي يحمل السلاح على المسلمين ويقصدهم في أي موضع كان حتى كان بالغيلة. وهو الرجل يخدع الرجل والمرأة والصبي فيدخله بيتاً ويخونوا به فيقتله ويأخذ أمواله وهذا قول الأوزاعي ومالك والليث بن سعد وعبد اللّه بن لهيعة والشافعي. وقال بعضهم : فهو قاطع الطريق، وأما المكابر فليس بالمحارب وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه ) ويسعون في الأ رض فساداً ( بالفساد أي بالزنا والقتل إهلاك الحرث والنسل ) أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا ( إختلفوا في حكم الآية.
فقال قوم : الإمام فيهم بالخيار فأي شيء من هذه الأشياء شاء فعل. وهو قول الحسن وسعد بن المسيب والنخعي ومجاهد ورواية الوالبي عن ابن عباس.
واحتجّوا بقوله تعالى ) ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ( وبقوله تعالى في كفّارة اليمين ) فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ( الآية.
وقال آخرون : هذا حكم مختلف باختلاف الجناية، فإن قتل قُتل، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطع، وإن أخاف السبيل ولم يقتل وأخذ المال نفي. وهذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، والسدّي، والنخعي والربيع. ورواية العوفي عن ابن عباس.
فاختلف العلماء في معنى النفي، فقال ابن عباس : هو حكم من أعجز فإذا أعجزك أن تدركه وخرج من لقيه، قتله.
وقال آخرون : والمقبوض عليه ثم اختلفوا في معناه، فقال طائفة : هو أن ينفى من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها وهو قول سعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز. وإليه ذهب الشافعي.
وقال الآخرون والحسن، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال محمد بن الحسن : هو نفيه من