" صفحة رقم ١٦٧ "
يدعوهم إلى الله، فأوحى الله عزّ وجلّ لما كان آخر زمانه وغرس شجرة ( فعظمت وذهبت كلّ مذهب ثمّ قطعها ) ويقطع ما يبس منها، ثمّ جعل يعمل سفينة ويمّرون عليه قومه فيسألونه فيقول : أعمل سفينة فيسخرون منه ويقولون : يعمل سفينة في البر فكيف تجري ؟ فيقول : فسوف تعلمون، فلّما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك، خشيت أُمّ صبي عليه وكانت تحبّه حبّاً شديداً، فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى صعدت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله أحداً منهم لرحم أُمّ الصبي ).
وروى علي بن زيد بن صوحان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فيحدّثنا عنها، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفّاً من ذلك التراب بكفّه قال : أتدرون ماهذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : هذا كفن حام بن نوح، قال : فضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب، قال له عيسى : هكذا هلكت ؟
قال : لا بل متُّ وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثَمّ شبت، قال : حدِّثْنا عن سفينة نوح، قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلمّا كثرت فضلات الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث، فلمّا وقع الفار بحوض السفينة وحبالها فقرضها، وذلك أن الفار ولدت في السفينة فأوحى الله تعالى إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وهرّة فأقبلا على الفار.
فقال له عيسى : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت، ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت قال : فطوّقها بالحمرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في قصر بأمان فمن ثم تألف البيوت.
قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدّثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ فقال له : عد بإذن الله، قال : فعاد تراباً.