" صفحة رقم ١٩٠ "
وقال أبو مجلز : هو جزاؤه إلاّ أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم، ولا يدخلهم النار، وفي وصف السعداء إلاّ ما شاء ربك بقاءهم في الجنة. قال ابن مسعود : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها إلاّ ما شاء ربك. وهو أن يأمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ثم يجدّد خلقهم.
قال : وليأتين على جهنم زمان تغلق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً، وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمراً وأسرعهما خراباً، وقال ابن زيد : في هذه الآية أخبرنا بالذي أنشأ لأهل الجنة فقال : هذا غير مجذوذ، ولم يخبرنا بالذي أنشأ لأهل النار، وقال ابن كيسان : إلاّ ما شاء ربك من الفريقين من تعميرهم في الدنيا قبل مصيرهم إلى الجنة والنار، وقيل : ما شاء ربك من احتباس الفريقين في البرزخ ما بين الموت والبعث.
الزجّاج : في هذه الآية أربعة أقوال : قولان منها لأهل اللغة، وقولان لأهل المعاني، فأمّا أحد قولي أهل اللغة فإنهم قالوا :) إلاّ ( ههنا بمعنى سوى كما يقال في الكلام : ما كان معنا رجل إلاّ زيد، ولي عليك ألف درهم إلاّ الألفان التي لي عليك، فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود، والقول الثاني : إنّه استثنى من الاخراج وهو لا يريد أن يخرجهم منها، كما يقول في الكلام : أردت أن أفعل كذا إلاّ أن أشاء غيره، وأنت مقيم على ذلك الفعل، والمعنى أنّه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم، ولكنّه أعلمهم أنهم خالدون فيها، قال الزجّاج : فهذان مذهبا أهل اللغة.
وأما قولا أهل المعاني، فإنهم قالوا : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربك من مقدار مواقفهم على رأس قبورهم وللمحاسبة إلاّ ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم، وزيادة العذاب لأهل الجحيم، وقال الفراء : معناه : وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة، و ) إلاّ ( بمعنى الواو سائغ جائز في اللغة، قال الله تعالى ) لئلاّ يكون للناس عليكم حجّة إلاّ الذين ظلموا منهم ( ومعناه، ولا الذين ظلموا، وأنشدني أبو ثروان :
من كان أشرك في تفرّق فالج
فلبونه جربت معاً وأغدت
إلاّ كناشرة الذي ضيعتم
كالغصن في غلوائه المثبت
معناه، لكن هنا كناشرة، وهي كاسم قبيلة، وقال : معناه كما شاء ربك كقوله ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلاّ ما قد سلف ( معناه كما قد سلف.
هود :( ١٠٨ ) وأما الذين سعدوا.....
) وأما الذين سعدوا ( قرأ أهل الكوفة :( سُعدوا ) بضم السين أي رُزقوا السعادة، وسعد وأُسعد بمعنى واحد، وقرأ الباقون بفتح السين قياساً على الذين شقوا، واختاره أبو عبيد وأبو