" صفحة رقم ٢٥ "
قال : أما قولك : كنتم ضلالاً فهداكم الله بي، فكنّا كذلك، وأما قولك : كنتم أذلّة فأعزّكم الله فقد علمت العرب أنه ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منّا. فقال عمر : يا سعيد أتدري من تُكَلِّم ؟ قال : ياعمر أُكلّم رسول الله، فقال رسول الله ( ﷺ ) ( والذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار وادياً لسلكتُ وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، الأنصار كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال : يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاة وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم ).
فقالت الأنصار : رضينا بالله ورسوله، والله ما قلنا ذلك الا ضنّاً بالله ورسوله، فقال رسول الله ( ﷺ ) إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم.
فلما قدم النبي ( ﷺ ) المدينة قام خطيباً فقال : أما إنّ خطيب الأنصار قد قال : كنت طريداً فآويناك، وكنت خائفاً فأمّنّاك، وكنت مخذولاً فنصرناك، وكنت وكنت، فإنّه قد صدق، فبكت الأنصار، وقالت بل الله ورسوله أعظم علينا منّاً.
قال قتادة : وذكر لنا أن ظئر النبي ( ﷺ ) التي أرضعته من بني سعد أتته يوم حنين وسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله ( ﷺ ) إني لا أملكهم إنّما لي نصيبي منهم، ولكن ائتني غداً فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس، فجاءت في الغد فبسط لها ثوبه فقعدت عليه ثم سألته ذلك فأعطاها نصيبه، فلما رأى الناس منه أعطوها أنصباءهم.
قال الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، وكان رسول الله ( ﷺ ) أمر منادياً ينادي يوم أوطاس : ألا لاتوطأ الحبالى حتى يضعن، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة.
ثم (.... ) من هوازن أقبلوا مسلمين بعد ذلك فقالوا : يارسول الله أنت خير الناس وأبرّهم وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي ( ﷺ ) إن عندي من ترون، وخير القول أصدقه، اختاروا إمّا ذراريكم ونساءكم، وإمّا أموالكم، فقالوا : ماكنا نعدل بالأحساب شيئاً، فقام النبي منتصباً فقال : إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين، وإنا خيّرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً، فأمّا ما أصاب بنو هاشم رددناه إليهم، فمن كان بيده منهم شيء وطابت نفسه أن يردّه عليهم فذلك، ومن لا فليعطنا وليكن قرضاً علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه، ومن لم يرد ففديته خمسون من الابل.