" صفحة رقم ٢٥٨ "
قالوا : قد كان يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب جهازاً ومائتي راحلة، وسأل يعقوب أن يأتيه بأهله وولده أجمعين، متهيّأ يعقوب للخروج إلى مصر، فلمّا دنا من مصر كلّم يوسف الملك الذي فوقه فخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند، وركب أهل مصر معهما، يتلقون يعقوب، ويعقوب يمشي ويقود ركابه يهوذا، فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال ليهوذا : هذا فرعون مصر ؟ قال : لا، هذا إبنك.
فلمّا دنا كلّ واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع من ذلك وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل، فابتدأه يعقوب بالسلام وقال : السلام عليك أيّها الذاهب بالأحزان،
يوسف :( ٩٩ ) فلما دخلوا على.....
فذلك قوله عزّ وجل :) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِين (.
فإن قيل : كيف قال لهم يوسف : ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعدما دخلوها، وقد أخبر الله أنّهم لما دخلوا على يوسف وضمّ إليه أبويه قال لهم هذا القول حين تلقّاهم قبل دخولهم مصر كما ذكرنا.
وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير، وهذا الاستثناء من قول يعقوب حين قال : سوف أستغفر لكم ربي ومعنى الكلام :) سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ( إن شاء الله ) إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم (.
فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال : ادخلوا مصر آمنين ) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش ( وهذا معنى قول أبي جرير، وقال بعضهم : إنّما وقع الاستثناء على الأمن لا على الدخول كقوله تعالى :) لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ إنْ شاءَ اللهُ آمِنِيْن ( وقول رسول الله ( ﷺ ) عند دخول المقابر :( وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ).
فالاستثناء وقع على اللحوق بهم لا على الموت، وقيل :( إنْ ) هاهنا بمعنى ( إذْ ) كقوله تعالى :) وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين (، وقوله :) وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْن (، وقوله ) إنْ أَرَدْنَ تَحُصُّنا (.
وقال ابن عباس : إنّما قال : آمنين لأنّهم فيما خلا كانوا يخافون ملوك مصر ولا يدخلون مصر لأنّهم لا جواز لهم، وأمّا قوله تعالى ) آوَى ( فقال ابن إسحاق : أباه وأمّه وقال الآخرون


الصفحة التالية
Icon