" صفحة رقم ٣٣ "
وأما النصارى ( فقيل ) : إنّهم كانوا على ( دين واحد ) سنة بعدما رُفع عيسى، يصلّون القبلة ويصومون رمضان، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له : يونس قتل جماعة من أصحاب عيسى ج، ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى فكفرنا وجحدنا والنار مصيرنا، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار، إني احتال فأضلّهم حتى يدخلوا النار، وكان لها فرس يقال له : العقاب يقاتل عليها فغرقت فرسه وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب.
فقال له النصارى : مَن أنت ؟ قال يونس : عدوكم ( سمعت ) من السماء : ليس لك توبة إلا أن تتنصّر وقد تبت، فأدخلوه الكنيسة ودخل بيتاً سنة لايخرج منه ليلاً ولا نهاراً حتى تعلم الإنجيل ثم خرج وقال ( لهم ) إن الله قبل توبتك، فصدّقوه وأحبوه ثم مضى إلى بيت المقدس، واستخلف عليهم نسطور وعلّمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، ثم توجه إلى الروم وعلّمهم اللاهوت والناسوت وقال : لم يكن عيسى بإنس فتأنّس ولابجسم فتجسّم ولكنّه ابن الله، وعلَّم ذلك رجلاً يقال له : يعقوب.
ثم دعا رجلاً يقال له : ملكاً وقال له : إن الله لم يزل ولا يزال عيسى ح، فلمّا استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً، وقال لكل واحد منهم : أنت خليفتي، ولقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني، وقال لكل واحد منهم : إني غداً أذبح نفسي فادع الناس للمذبحة، ثم دخل المذبحة فذبح نفسه، وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى، فلمّا كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى ( نحلته ) فتبع كل واحد طائفة من الناس واقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا، فجميع النصارى من الفرق الثلاث.
) ذَلِكَ ( يعني قول النصارى : إن المسيح ابن الله ) قَوْلُهُمْ بِأفْوَاهِهِمْ ( يقولون بألسنتهم من غير علم.
قال أهل المعاني : إن الله عز وجل لايذكر قولاً مقروناً بذكر الأفواه والألسن إلا وكان ذلك القول زوراً كقوله تعالى : يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، ويقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم، وقوله : كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) يُضَاهِؤُنَ ( قال ابن عباس : يُشبهون وعنه أيضاً : يحكون، وقال مجاهد : يواطئون.
وقال ذي نون : وفيه لفضان يضاهئون بالهمزة وهي قراءة عاصم، ويضاهون بغير همزة وهي قراءة العامة، يقال : ضاهيته وضاهأته بمعنى واحد ) قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ( قال قتادة


الصفحة التالية
Icon